قصَّة نجاح: شذى الزهيري.. إمرأة اقتحمت عالم رجال الأعمال بنجاح

بغداد – الإعمار:
السيدة شذى جبار الزهيري؛ عراقية ولدت في بغداد من أبوين عراقيين، وأنهت دراستها في مجال الادارة والاقتصاد، لكنها اختلفت عن غيرها في طموحها المتمثل في تجسيد ما درسته على أرض الواقع، فكانت تبحث عن العمل الحر متجاوزة في تلك الفترة حلم أكثر العراقيين بالإنضمام للعمل الحكومي.
تقول الزهيري: “ان والدها ساعدها في إنجاز الخطوة الاولى من قصة نجاحها بدعمها اجتماعياً أولاً ثم اقتصاديًا وعلّمها الالتزام بالتقاليد، مبدياً رغبته بان تقتحم ابنته عالم رجال الاعمال كسيدةٍ”.

هل انت اول امرأةٍ تقتحم عالم رجال الاعمال في العراق؟
الزهيري: هناك شركات كثيرة في العراق باسم نساء. لكن الحقيقة ان أزواجهنَّ كانوا يسجلون الشركات باسمهنَّ، وهنا يختلف وضعي كسيدة اعمال عراقية استطاعت ان تقتحم هذا العالم؛ حيث كنت اعمل بدون تورية كما هو الوضع السائد وقتذاك، على الرغم من ان عالم رجال الاعمال كان يعج بالألغام، وكانت القوانين العراقية لا تسمح للمواطن العراقي ان يمثل شركة اجنبية، وإنما كانت الشركة تمثل نفسها بالأصالة في العراق، وكان التاجر العراقي بمثابة وسيط بين الحكومة العراقية والشركة الأجنبية ليس إلا. أكاد أجزم أنني دخلت مجالاً غير محميٍ من قبل الحكومة بفعل القوانين المتراتبة.
تعرضت في بداية حياتي العملية لاستنكار واستصغار شديدين من قبل “بعض” الرجال، لأنني كنت الوحيدة “أنثى” بين مجتمع أعمال ذكوري، الامر الذي جعلني احمل عبئين؛ الاول انني امرأة تنتمي لمجتمع محافظ فكان لزاماً عليَّ أن ألتزم بعرفه وقوانينه السائدة، والثاني هو التحدي الذي بداخلي كي اثبت لكل الرجال وبقية المراقبين في المجتمع واولهم عائلتي وأصدقائي في المضي قدما نحو النجاح. بدأت بالحصول على اول عقدٍ حكومي وكان بالنسبة لي تحدياً في ان أنجز في الزمان والكفاءة المحددين بالعقد وكان ذلك عام 1988 حين أخذت عقد تجهيز بدلات لمؤسسة السكك الحديدية وكان لزاما عليَّ ان أنتج 1000 بدلة باليوم الواحد، فاستأجرتُ مكائن خياطة من بعض الأصدقاء والجيران، وفعلاً تم التجهيز بالوقت والجودة المحددين وفق العقد.
بعد ذلك فبدأتُ، والحديث للزهيري، بتأسيس شركة لتجهيز الأقمشة ثم تطور عملي فدخلت عالم التجهيز الالكتروني؛ حيث دخلت في خط انتاج التلفزيونات وتجهيز العراق بها، ومن ثم أصبحت اول سيدة اعمال عراقية تمثل شركات اجنبية في العراق، وكان اول عقد مع شركة LUCKY STAR والتي كانت تشتهر باسم GOLD STAR.

إقرأ أيضًا
قصة نجاح.. البروفسور مروان العقيدي: لدينا مشروع يجعل من التكنلوجيا غذاءً وطنيًا ووسيلة إدارية ناجحة

هل تعرضت الزهيري إلى محاصرة رجال النظام السابق كونها اقتحمت عالم رجال الاعمال؟
الزهيري: لم أكن كبيرة للقدر الذي يجلب الانتباه. كانت شركتي صغيرة لكنني كنت أعاني كغيري من معوقات قانونية مثل عدم قدرة التاجر على الاستيراد الا مرة واحدة في السنة، او نظام حساب عدد العمال طبقاً لشروط قاسية لكل اجازة تصدير واحدة. كانت تلك مزايا النظام الاشتراكي الذي يخنق التاجر والسوق معًا، ولا أخفيك فالنظام السابق كان يدرس تلك المعوقات لكنه كان يصطدم بخبرات لم تخرج خارج إطار النظام الاشتراكي للسوق. كان ذلك ايام النظام السابق لكن النظام الحالي يفترض انه استفاد من دروس الماضي وفتح اقتصاد السوق.

ما هو تقييم شذى الزهيري لوضع الاستيراد والتصدير بعد عام 2003؟
الزهيري: المشكلة الأساس بعد عام 2003 ان معظم الأشخاص الذين استلموا زمام الأمور والقرار هم من غير متخصصين، كما انهم يجهلون احتياجات السوق وطريقة التعامل مع مجريات التسويق، فضلاً عن الفساد الذي نخر الجسد الاقتصادي في العراق. في السابق كانت الرشوة لا تستطيع تعطيل مشروع اذا ما التزم التاجر بمبادئه وقرر عدم الدفع، اما الان فان عدم دفع الرشوة يعني ان صاحب القرار لديه القدرة ان يعطل المشروع حتى يحصل على مبلغ الرشوة الذي يحدده هو بدون التشاور مع التاجر.
ولكي اصدقك القول ان عام 1994 هو عام الخطوة الاولى بالفساد الاداري في العراق بعد توقيع العراق مذكرة التفاهم مع الامم المتحدة وفق قرار النفط مقابل الغذاء. لكن الأمور كان مسيطر عليها بشكل كبير ولم يكن اي مسؤول قادر على تعطيل اي عقد اذا ما التزم التاجر بعم الدفع، فضلا عن مسألة مهمة وهي ان المسؤول العراقي وقتذاك كان يفكر بالشعب أولاً ثم يضع هامشاً كي يستفيد منه ولا يأتي المبدأ الاول على حساب الحاجة لاستغلال المنصب.
سأروي لك حكاية حدثت معي وكان طرفها الثاني هو وزير التجارة العراقي إبان النظام السابق واقصد وزير التجارة محمد مهدي صالح؛ كان لدي عقد مع شركة انا أمثلها وكانت شركة اندونيسية، كانت الاخيرة يجب ان تصدر ما قيمته 30 مليون دولار من الشاي للعراق، فأرسلوا الوجبة الاولى وكان على العراق ان يدفع قيمة كي يستمر التجهيز، فقال محمد مهدي صالح: انه يجب ان يدفع بالدينار العراقي لان البلاد كانت بحاجة للعملة الأجنبية فاقترح الوزير ان ادفع لهم من حسابي الخاص على ان يعوضني بعد إتمام التجهيز، ورفض رفضا قاطعا ان يدفع بالعملة الأجنبية وكانت وقتذاك بالدولار الامريكي، وفعلاً نفذت ما اقترحه الوزير حيث اخرجت أموالاً من حسابي الخاص خارج العراق ودفعت للشركة لإدامة الثقة بينها وبين الحكومة العراقية. الشاهد في هذه الحكاية ان المتخصص والمحب لشعبه ولبلده يجب ان يعطى المسؤولية وليس كما يحدث الآن، فالمناصب تؤول لأشخاص غير متخصصين ويجعلون احزابهم فوق الوطن ويدفعهم ولاؤهم للحزب لممارسة السرقة والفساد.
وبالمناسبة فان شركات كبيرة هربت من التعامل مع العراق بسبب الفساد لانها شركات محصنة وغير قادرة على الفساد، الامر الذي دفع الحكومات بعد عام 2003 للتعامل مع شركات صغيرة واُخرى وهمية ما عزز الفساد في البلاد.
السيدة شذى الزهيري اليوم تعد ضمن كوادر “منتدى الإعمار العراقي”، ولا تخفي حاجة العراق الى متخصصين يعتنون بالاقتصاد ويعمرون ما تم تدميره بسبب المحاصصة المقيتة التي أهلكت الاقتصاد العراقي، ولذلك انا اعتقد ان وجود متخصصين في مجال الاقتصاد حينما يعطون الفرصة للإعمار في العراق وفق رؤية “منتدى الإعمار العراقي” للبناء، فان العراق من الممكن ان يتعافى ويستعيد دوره البنّاء، وكذلك فان الامر سينعكس إيجاباً على تصرفات المواطن العراقي الذي بات اليوم أسير سلطة حزبية غير متخصصة تدير مكامن مهمة في البلاد ولا تعتني به كمواطن له حاجات أهمها خطط تنمية جادة.
أنا لم أنتَمِ بحياتي لأي حزب كما أني لم ادخل عالم السياسة من قبل، لكن أهداف منتدى الإعمار العراقي ومعرفتي الجادة بالطاقات التي تمثله تجعلني أخطو بشكل متحمس، كي أكون جزءاً من هذا المشروع ومن الممكن ان اسبغ من تخصصي في خدمة الاسرة والطفل لتنمية هذا القطاع الحيوي والذي من الممكن ان نبني من خلال تنميته كيلاً قادرًا على البناء الصحيح.
انا لدي تجربة ودراسات تنموية من الممكن ان أكون قادرة على تنفيذ مشاريع لخدمة قطاع الأسرة والطفل. درست الأسباب التي أدت الى نجاح التجارب الناجحة في بعض البلدان.