قليل من الاعتراف يكفي يا سادة العراق

محمد السيد محسن*
بعد دخول الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى العراق للمرة الاولى وخروجه السريع دون مقابلة اي مسؤول في البلاد، بدأ التراشق الاعلامي بين التيارات والاحزاب، وبدأ البعض يتذكر السيادة، مثلما يتذكر صديقا له في المرحلة الابتدائية، يلتقيه فجأة على مواقع التواصل الاجتماعي فيبدأ بالتحدث عنه وعن مواقفه .
المثير بالامر ان رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي وحيدر العبادي اصدرا بيانا يستهجنان تصرف ترامب بالدخول والخروج من “خان جغان” دون اذن من البواب .
وعند مراجعة التاريخ القريب جدا نجد ان الرؤساء الامريكان كانوا يدخلون الى العراق دون علم الاجهزة الامنية والحكومة العراقية في تقليد بات متعارفا عليه وليس غريبا، وكان المالكي والعبادي لا يستقبلان الرئيس الامريكي في المطار ولا يجريان معه اي فعالية بروتوكولية، بل ان الرئيس الامريكي يجلس في قاعدته الامريكية بين جنوده الامريكان على ارض عراقية انتقاها هو، ويأتيه رئيس الوزراء العراقي ليتحدث عنه.
كل الذي اختلف في قدوم ترامب انه لم يلتق اي مسؤول عراقي، وهذا الامر لا يعني السيادة بشيء، بل ان هذا الامر يوجب على سادة القرار في العراق قليلا من الاعتراف، بشأن ما تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة الامريكية حول طبيعة تعامل الاخيرة مع الارض العراقية، او كيف تمت صياغة التفاهمات بشأن دخول الامريكان الى بلادنا.
وبالعودة الى ايام الاحتلال البريطاني للعراق قبل عام 1958 وعندما بدأ نوري السعيد مفاوضاته الماراثونية مع الجانب البريطاني لانجاز اتفاقية بين البلدين، كانت معضلة دخول الطائرات البريطانية وتنقلها بسماء وارض العراق كبيرة جدا، البريطانيون ارادوا ان تتنقل طائراتهم بين قاعدتي الشعيبة في البصرة والحبانية في الانبار دون تفتيش ودون اخذ اوامر من السلطات العراقية، لكن العراقيين رفضوا هذا الطلب وطالبوا بسيادة عراقية غير منقوصة.
اليوم نحتاج لنعرف ممن قاموا بصياغة اتفاقية الاطار المشترك بين الولايات المتحدة والعراق عن هذه النقطة بالذات، حيث ان الاتفاقية كما صرح نوري المالكي رفضت وجود اية قاعدة امريكية على الارض العراقية، ولا نعرف ماذا تعني قاعدة عين الاسد “الامريكية” في الانبار العراقية، بالنسبة للسيادة!
كثيرات هن الهنات التي لم يفصح عنهن السادة اصحاب القرار في مجمل العلاقات مع الولايات المتحدة، فكلنا يعلم كذبة المالكي الكبرى حين اعلن في الاول من تموز عام 2013 خروج العراق من البند السابع، وبعد ذلك اتضح ان العراق ما زال تحت قيود الفصل السابع ولم يخرج منه الا بموافقة الطرف المشتكي وكان “الكويت” وعام 2017 تنازلت الكويت عن شكواها فاصدرت الامم المتحدة ومجلس الامن قرارا يخرج العراق من البند السابع.
كما ان الامريكان لديهم اتفاقيات واضحة مع المانيا واليابان وغواتيمالا والبحرين بامكانية الطائرات الامريكية الدخول الى الارض البلد المعني شريطة ان تقصد اقرب الطرق الى القاعدة الامريكية في تلك البلاد، وهذا امر غير مخفي، حيث ان ترامب ومن طائرته الرئاسية وبعد عبوره الاجواء العراقية صرح بانه ذاهب الى القاعدة الامريكية في المانيا.
الا في العراق فان الامور ما زال يلفها الغموض.
اذا كانت لدينا هذه التجربة مع اصحاب القرار، فهذا الامر يدفعنا الى ان نتساءل وبشكل عميق عن الخفايا التي لم يعترف بها اولئك الذين يخوضون نقاشات ومباحثات مع المحتل الذي خرج، ولم يخرج.
نحتاج بشكل جدي لمن يجيبنا ما هي الصيغة التي تم الاتفاق عليها في خروج الطائرات الامريكية او دخولها الى العراق؟
وهل هذه الصيغة ما زالت نافدة؟
والى متى ستستمر ؟
لان الحكومة العراقية لم ترفض اي دخول غير بروتوكولي لاي رئيس امريكي من قبل.
وكان رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب السابقين يذهبون الى القاعدة الامريكية لمقابلة الرئيس الداخل، وليس الزائر، وهناك تعقد الاجتماعات ويتم الحديث عن مجمل الاوضاع.
اما في دخول ترامب الاخير فان عبد المهدي يبدو احس بالحرج لان الرئيس هذه المرة لن يلتقي به على غرار زيارت من سبقه من الرؤساء الامريكيين، ففضل ان يدلي بتصريح مكتوب يتحدث فيه عن علم مسبق بزيارة ترامب، او لنقل “دخول ترامب”، والحقيقة ان ترامب سبقه بتصريح من طائرته الرئاسية بعد خروجها من الاجواء العراقية حيث قال:
كانت الرحلة خاضعة لضرورات امنية عالية حيث اغلقت نوافذ الطائرة الرئاسية ولم تفتح اضواؤها، ومنعت اكثر من مرة من فتح اية نافذة لدواعي امنية، اتصلت برئيس الوزراء العراقي ودعوته للقاء في البيت الابيض.
لم يكن على عبد المهدي ان يبرر موقفه المحرج، وعليه ان يكون اكثر شفافية ليطلعنا عن خفايا الاتفاق العراق الامريكي .

*رئيس التحرير