المتربصون بنصر الموصل

أمين قمورية*
انتهت معركة الموصل فعلياً باستعادة ركام جامع النوري الكبير بعدما فجره تنظيم “داعش” مع مئذنته التاريخية التي شهدت ولادة “دولة الخلافة” المزيفة التي اعلنها ابوبكر البغدادي في صيف 2014. ثلاث سنوات كانت قاسية على المدينة واهلها وعلى العراق وسوريا واجزاء كبيرة من المنطقة والعالم. وبعد هزيمة ما يسمى “الدولة الاسلامية” في الموصل بات واضحا انها ستلقى المصير نفسه في الرقة ودير الزور السوريتين، وبات في استطاعة العالم ان يكون اكثر راحة بعدما اسدلت بغداد وجيشها الستارة على السواد الاعظم من هذا الكابوس.
لكن السؤال المقلق بعد جلاء هذه الآفة عن الجزء الاكبر من العراق، هو: هل يستمر الزخم الدولي نفسه حيال هذا التوحش لاقتلاعه من جذوره ام ان تضارب المصالح قد يقف حجر عثرة في الطريق؟ ففي ظل الهزائم المتلاحقة التي مني بها تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وفي ظل غياب ستراتيجية اميركية واضحة حيال مرحلة ما بعد “داعش” تبرز خلافات داخل الادارة الاميركية نفسها من جهة وبين واشنطن واسرائيل من جهة اخرى حيال التعاطي مع مسألة مواصلة الحرب على الارهاب لاسيما في سوريا ومناطق اخرى في الاقليم.
لم يعد خافيا على احد وجود انقسام داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب في شأن العمل بقوة على وقف تقدّم قوات النظام السوري داخل الاراضي التي يخليها التنظيم واندفاعها في اتجاه الحدود السورية العراقية لتأمين معبر بري ما بين دمشق وبغداد. وبينما يدفع البعض في البيت الأبيض نحو اتخاذ نهج أكثر قوة حيال النظام لمنعه من ممارسة حقه في استرجاع المناطق التي فقدها لاسيما في الرقة ودير الزور، تحذر وزارتا الخارجية والدفاع من مخاطر ذلك وترى ان هدفها الاساس هو محاربة “داعش” وليس من يقاتله اكان ايرانيا او سوريا. فالأصوات التي تؤيد تجنّب المخاطر في الإدارة الأميركية قلقة من انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب أكثر مباشرة مع نظام بشار الأسد.
واذا كانت واشنطن تراقب على مضض تقدم القوات السورية وحلفائها في اتجاه معبر التنف الحدودي مع العراق ، فان اسرائيل التي تنظر بقلق الى هذا التطور الستراتيجي ، تسعى الى عرقلته بالضغط على الجيش السوري جنوبا وتشجيع بعض الجماعات المسلحة المتطرفة ومنها “داعش” و”النصرة” على اقامة حزام امني في المناطق الحدودية المتاخمة للاراضي المحتلة. ويعبر عن وجهة النظر الاسرائيلية داخل الادارة الاميركية كبير مستشاري ترامب، صهره غاريد كوشنير اليهودي الانتماء والاسرائيلي الهوى.
وكان وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون انفجر غضبا في وجه مستشاري ترامب، لاسيما منهم كوشنير ورئيس مكتب شؤون الرئاسة جوني ديستيفانو واذا كان هذا الخلاف حصل على خلفية عرقلة تعيينات الوزير في وزارة الخارجية، فان هذا التوتر هو ايضا حصيلة للخلافات الكبيرة بين ترامب ووزارة الخارجية في ملفات السياسة الخارجية ان في سوريا او الازمة الخليجية او الحرب على اليمن. ففي حين التقى تيلرسون نظيريه القطري والكويتي سعيا الى ايجاد تسوية في الملف الخليجي، يتجاهل البيت الابيض هذه المساعي ويدلي بمواقف متناقضة تعيق التسوية. والارجح فان مستشاري ترامب ولاسيما كوشنير، وبتحريض من اسرائيل يدفعان نحو تفكيك مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل تخشى الخارجية الاميركية ومعها البنتاغون ومجلس الامن القومي من تداعيات هكذا انقسام من شأنه ان يقدم هدايا مجانية لايران وروسيا التي تحلم بترسيخ رأس جسر لها في الخليج دعك عن افادة الجماعات المتطرفة من هذا الخلاف. والانقسام داخل الادارة يجر نفسه على موقفها في شأن موقف الادارة من جماعة الإخوان، فهناك فريق يمثله وزير الدفاع جيمس ماتيس، إلى جانب مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر وهو يبدو أقل حماسا لمسألة حظر جماعة الإخوان في الولايات المتحدة وتصنيفها ضمن المجموعات الإرهابية، وفي المقابل فإن هناك فريقا ثانيا يمثله رئيس المخططين الستراتيجيين ستيف بانون والذي كان لديه قناعة بضرورة حظر الجماعة، إلا أنه تراجع نسبيا، نتيجة ضغوط الفريق الأول.
والخلاف نفسه يجر نفسه على الحرب في اليمن حيث استفاد تنظيما “القاعدة” و”داعش” من حال الفوضى القائمة في هذا البلد لاسيما في جنوبه، لذا ترى الخارجية الاميركية ضرورة تغليب الحل السياسي على الحل العسكري على عكس اسرائيل وحلفائها في واشنطن الذين لايضيرهم استمرار النزف في هذا البلد وانتشار قوى التطرف في اليمن والقرن الافريقي.
وهكذا بدلا من استثمار النصر في الموصل لمصلحة المنطقة واستقرارها، ثمة من لاينظر بعين الرضا الى هذا الانجاز وفي مقدمتهم اسرائيل واصدقاؤها الخلص في واشنطن وبعض العواصم العربية الشقيقة.

*كاتب وصحفي لبناني