نصر مدوي وخطاب هادئ!

لسقوط المدن دوي يطرب له الغزاة ، ولتحررها دوي آخر يرقص له المحررون ، وتبقى واقعة السقوط نقطة فاصلة في التاريخ لاتعادلها الا واقعة التحرير!
هكذا الامر مع الموصل ثاني اكبر مدن العراق، واكثرها عمقا في التاريخ الاسلامي والعربي والعراقي!
تسلل داعش الى الموصل تحت ستار الغفلة والتفسخ والترهل والفساد الذي اصاب لادارة الحكومية في بغداد ، وتفكك القيادات الميدانية في الموصل نفسها ، ولفرط السهولة في احتلالها ، لم يخطر ببال مراقب ولا راصد ان تتحرر الموصل بايد العراقيين انفسهم الذين ولوا الادبار في لحظة خوار وانهيار لم تعرفها الجيوش الا في حالات نادرة وعابرة!
الوحدة بآمرها ، والدولة بقائدها ، والسفينة بربانها ، وكم من جحفل اندحر وتقهقر تحت قيادة جنرال مغرور ، او مخبول، او مصاب بدوار البحث عن الجاه والمال والسلطة والنفوذ، ودارت الايام واذا بالجفل ذاته يسطر انتصارات مبهرة بقيادة ضابط باسل مغوار مسكون بروح الجندية وقيم الفروسية !
لم يستورد العبادي جنوده من خارج الحدود ، ولم يطلب من دول التحالف ان تمده بقادة ميدانيين يرسمون خطط المعركة ، ويندفعون مع جنودهم الى حافات النار !
الجندي نفسه والضابط نفسه والارض نفسها والعدو نفسه … كل الذي تغير القيادة العليا التي تخطط وتدير وتشرف وتوجه !
تحويل الهزيمة المدوية الى انتصار مدو له ثمن باهض من الدم والمال والتضحيات ، وما احتل خلال ساعات لن يعود الا باشهر وهذا ماحصل في الموصل!
اكثر من 8 اشهر والعراقيون يجاهدون في خندق واحد ، الجندي والشرطي وابن الحشد المتطوع لوجه الله والعراق ، لم يتوحدوا كما وحدتهم الموصل ، ولم يالف العالم ايقاعا عراقيا متناسقا غير مرتبك كما كان الايقاع المتناغم بين الشعب والجيش في واحدة من اشرس المعارك في التاريخ الحديث!
حرص العبادي ان لايعلن الانتصار النهائي على داعش الا بعد استعادة آخر شبر من الارض والقضاء على آخر داعشي!
كات معركة الامتار الاخيرة قد استغرقت اياما، وكنا نترقب خطاب العبادي الذي يعلن فيه النصر النهائي ، الا ان الرجل تمهل وتامل مليا ليكون خطابه دقيقا صادقا لايشوبه التباس ولا يطوله شك ولا تشكيك.
بعضهم اخذ على القائد للقوات المسلحة برودة خطابه الذي لايتاسب مع جسامة الحدث وهول المعركة ، وفات اولئك ان نصرا من غير جعحعات هو الاقرب الى قلوب الناس ، وان العنتريات ( التي ماقتلت ذبابة) ،كما يقول نزار قباني ، هي التي انتجت سلسة من الهزائم والنكسات في العراق وفي غيره من بلدان العرب والمسلمين
ليس مهما ان يكون خطاب النصر مدويا المهم والاهم ان يكون النصر نفسه مدويا