مشرّعون عوازه

محمد السيد محسن
بين حين وآخر يطل علينا مجموعة من “المشرعين” الجُدد ليثيروا ضجّة جديدة حول قانون ما، فتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالتسقيط ويتراكض سياسيون إلى برامج الفضائيات “الحزبية” للتهويل من هذا القانون والتحذير من ذاك.
وينتهز آخرون الفرصة للتنكيل بآخرين، فيما نعيش نحن “الصحفيين” حالة الخصب الصحفي حيث نستفيد من فترة التشهير وإلقاء اللوم والاتهامات.
لكن المثير في الأمر أن بعض القوانين لا يمكن أن تتحكم بالعراقيين بفضل وجود نواب في البرلمان العراقي عبر قانون انتخابات أوصلهم الى سدّة التشريع وهم لم يحصلوا على الأصوات المؤهلة للتواجد في أجل مؤسسة تشريعية في البلاد وهي البرلمان العراقي، الأمر الذي وصفه أحد النواب في يوم من الأيام بأن كل البرلمان يمثله “نواب عوازة”، حيث أن القانون العراقي يفترض أن يمثل كل نائب ما لا يقل عن 110000 مائة وعشرة آلاف عراقي مؤهل للمشاركة بالاقتراع. وهذا الذي لم يحصل عليه لحد الآن إلا نادراً ، بل ومشكوك فيه بكل الأحوال.
وما جاء بهؤلاء هو القانون الذي يُشكل عليه الكثير حيث يُوصف بأنه يخدم مصالح الأحزاب الكبيرة والمتمرسة كي تبقى على سطح المشهد وهي الحريصة على عدم تعديل هذا القانون.
لذلك نعتقد أن الطبقة “التشريعية” اليوم في العراق ليست مؤهلة لتشريع قوانين مهمة مثل قانون الجنسية أو القانون المدني وما إلى ذلك من قوانين ربما ستؤدي إلى مشكلات قادمة لأنها تخضع لسلوك سياسي سائد ومفضوح يتمثل بالمحاصصة والتراضي والصفقات وهي قوانين تختص بتاريخ البلاد وتركيبته السكانية والاجتماعية مثل قانون الجنسية العراقية.
وقد يسأل سائلٌ بأنّ من حق هؤلاء الذين يصلون إلى سدّة التشريع لإنفاد بعض القوانين وإقرارها ما دامت هذه وظيفتهم، فنقول: إن الخلق السياسي الذي تفرضه المسؤولية التاريخية هو ما نحث بالإتسام به، لذا يجب أن يعرف “المشرع” حجمه السياسي أولاً. الاجتماعي ثانياً فهو ضمن القياسات الرقمية لم يصل إلى عتبته الإنتخابية التي تجيز له أن يتصرف بإسم آلاف وملايين العراقيين، وإن يقتنع بأن وجوده في هذه المؤسسة التشريعية هو بحكم الاستثناء الذي ساد البلاد بعد الإحتلال عام ٢٠٠٣.
لذا وعلى الأقل يجب أن تستمر القوانين السابقة، وأن يتم الإبتعاد عن القوانين المهمة خصوصاً ذات الأبعاد السيادية والاجتماعية، كي يمكن تفادي مشكلات المستقبل فيما إذا تم إقرار هكذا قوانين في هذا الظرف الاستثنائي.
من جانب آخر فإن الإشكالية الكبرى إن البعض يتصرف بمستقبل العراق من زاوية مذهبية أو حزبية ضيقة، وهذا هو الواقع للأسف، وبالتالي فإن استغلال المرحلة لتمرير بعض القوانين قد يفضي إلى إشكالات أخلاقية قبل أن يتم تثبيتها بشكل قانوني بفعل حكم اكثرية الأصوات في برلمان لم يستطع أن يؤهل نفسه بشكل قانوني، ويحتكم إلى حزمة قوانين أقرتها أحزابه التي سيطرت على المشهد السياسي في طرف استثنائي.
إذا كانت السلطة التشريعية جادة في إنجاز القوانين وتعتقد أنها مهمة في التقدم للأمام، فعليها أن تتخذ واحدةً من خطوتين:
الأولى: أن تشرك الجمهور في إنجاز القوانين ذات الأبعاد المستقبلية من خلال عقد مؤتمرات وطنية حقيقية، وتستمزج آراء الشعب ليكون هذا الشعب هو المسؤول عن المرحلة التاريخية
الثانية: أن تنأى هذه الطبقة “المشرّعة” بنفسها عن المسؤولية التاريخية وتشرك المتخصصين المستقلّين، وأن لا تفرض سطوتها الحزبية من خلال تقاسم ترشيحهم وجعلهم يسيرون خلف أهواء تلك الأحزاب.
بيد أننا متأكدون تماماً أن سلطة الأحزاب لن تستهدي بهاتين الخطوتين لأنها لا تريد أن تفرّط بـ”مكتسبات” اللحظة التاريخية التي حصلت عليها في مرحلة إستثنائية مرت بها بلاد الرافدين.
لكننا نتواصل في الحديث لأننا لا نريد أن نفرّط بتأريخنا ولا تأريخ بلادنا، فإننا من الشعب، والشعب هو مصدر السلطات، وعلى السلطة القضائية أن تحل هذه الإشكالية القانونية المتعلقة بقدرة النواب على تمثيل العدد الذي لم يحصلوا عليه في الإنتخابات.