المناضلون المرتزقة

محمد السيد محسن*
تابعت قبل أيام فيلماً هوليودياً جديداً انتج قبل عامين على شبكة NETFLIX وكان عنوانه (A TWELVE YEARS NIGHT) وكان يحكي قصة ثلاثة شبان من منظمة توباماروس اليسارية في أورغواي حيث تم اعتقالهم طيلة إثنتي عشرة عامًا. بشكل انفرادي بعد الانقلاب العسكري في أورغواي عام 1971 وبقوا في حبسهم لم يتنازلوا عن مبادئهم حتى نضجت العملية الديمقراطية في بلادهم واستطاع اليسار الأورغواني الفوز بإنتخابات عام 1985 وأجبر الحكم العسكري أن يتنازل عن السلطة وأفرج عن هؤلاء الشبان وقد خسروا اثنتي عشرة سنةً من حياتهم في غياهب السجون لم يروا النور ولم يعرفوا ما يجري في بلادهم بيد إنهم حافظوا على مواقفهم.
المثير بالأمر انهم حين عادوا إلى الحرية مارسوا حياتهم كل على انفراد وبدأوا من جديد، وحظوا باحترام شعب الاورغواي، وانخرطوا في الحياة كمواطنين اختاروا. طريق النضال من أجل المبادئ ولم يفرضوا على الحكومات المتعاقبة أي تكريم لكنهم كانوا ناجحين حيث أن ثالثهم وهو خوزيه موهيكا فاز بالانتخابات البرلمانية عام 2010 وتم اختياره رئيسًا للأورغواي وهو في سن الخامس والسبعين من عمره. ووصف بأنه أفقر رئيس في العالم حيث كان يتبرع بـ90 بالمائة من راتبه لفقراء شعبه. وتوفي عام 2006. أما رفيقاه فيرناندو هوديبرو ومورينو روسكينوف فالأول عاد لإكمال حياته الجامعية ولم يتسنم أي منصب إلا بعد سبعة عشر عاماً من إطلاق سراحه وسقوط حكم الدكتاتورية وبات وزيراً للدفاع لأربعة أعوام ترك بعدها الحياة السياسية والثاني – مورينيو روسكينوف فقد اتجه نحو الأدب والشعر ولم يدخل عالم السياسة.
من حقنا أن نتساءل إن هؤلاء لم يطالبوا بقانون يكرمهم ويرفعهم على الشعب درجات على أنهم مناضلون. ولم يفرضوا على الآخرين دخولهم الحياة السياسية فقد انتظروا عقدين من السنوات حتى حصلوا على وظيفة تشريفية وليست تكريمية لأنهم بقوا في دور الخادم لشعبهم تشبثاً بالفكر اليساري الذي حملوه وحافظوا على مبادئه.
أين نحن من هؤلاء الذين لم يستغلوا عاطفة الجماهير الدينية ليدخلوا إلى عقولهم ويستأجروها.
هؤلاء لم يسن لهم قانون خدمة “جهادية” ولم يقترنوا بقانون مشبوه مثل قانون رفحاء الذي أسسه بعض السياسيين كي يحولوا أبطال انتفاضة آذار إلى مرتزقة.
وينتفعون من خلال قانونهم بإدخال كم هائل من المستشارين تحت ظل هذا القانون لتبقى مكاسبهم المالية على حالها وبشكل قانوني وفق القوانين التي تم سنّها من قبل بعض السياسيين المرتزقة.
إن أبشع ما يتم تسويقه من قبل بعض رجالات الطبقة السياسية هو التلاعب بالألفاظ فيستخدمون لفظ المجاهد بدل لفظ المناضل كي يضيفوا قداسة على معارضتهم لنظام صدام حسين. والحقيقة إن المجاهد يفترض أن لا يأخذ حق جهاده من أموال الشعب وإنما يوفى أجره من الله سبحانه وتعالى؛ حيث أن التفضيل الإلهي بين المجاهدين والقاعدين هو تكريم في الآخرة وليس في الحياة الدنيا.
وأما النضال فهو شأن وطني من الممكن أن يتم تعويض الضرر الذي لحق بالشخص نتيجة تصديه للعمل المعارض للسلطة ولكن ليس على شاكلة قانون رفحاء سيء الصيت.
إن الاستدراج المدروس والمخطط له من قبل بعض أصحاب القرار لإستنزال الأبطال لمستوى الارتزاق من خلال دفعات مالية مغرية شهرية من الممكن أن يكون قبالها التفريط بتاريخ نضالي ناصع وسمعة شخصية لا يمكن أن يتم تقويمها إذا انكسرت.
ولدينا في التاريخ الإسلامي العربي انموذجًا واضحًا هو قضية طلحة بن الزبير والزبير بن العوام حينما طلبا من أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام أن يقدمهما لفضلهما على الآخرين بالجهاد في سبيل الله ويعطيهما حصة أكبر من بيت مال المسلمين. فما كان من علي بن ابي طالب إلا أن استخدم عدالته ورفض مطلبهما قائلاً: فإما جهادكم فالله كفيل به، وأما أنا فأراكما كما أرى الرعية لكما ما لهم من بيت المال وعليكما ما عليهم من واجبات وحدود.
وأخيراً.. هل يجب على من جاهد من أجل الحق أن يأخذ حقه في الدنيا؟
فكيف سيرفعه الله سبحانه وتعالى درجة في الحياة الآخرة إذا كان قد أخذ حق جهاده في الحياة الدنيا.

*رئيس التحرير