الكراهية .. كأحد مصادر الفكر المتطرف

عبد الحليم الرهيمي
لم تكن نزعة الكراهية ونبذ الآخر ، وحتى معاداته ، هي من سمات او مظاهر العصر الراهن ، انما تعود الى الطبيعة البشرية التي تارة تطفو الى السطح وتارة تختفي ، لكن ما يميز نزعة الكراهية في العصر الراهن هو اتساع نطاقها وانتشارها وتحولها من مجرد افكار ترفض الآخر المختلف وتتمايز عنه وبكراهية غير بارزة ، لتكون في هذا العصر أحد المصادر او الينابيع الأساسية للفكر المتطرف وأحد تعبيراته الاشد قسوة ووضوحاً ، لاسيما أن هذا الفكر يؤدي بدوره وينتج الأرهاب العنيف وغير العنيف .
وبصرف النظر عما اذا كانت نزعة الكراهية لدى الانسان او لدى الجماعات البشرية والدول هي نزعة مرضية أو متوارثة في جينات الانسان فأنها تمثل ايضاً وأساساً اداة للتمايز عن الآخر المختلف ، قومياً وعرقياً ودينياً ومذهبياً ، بل وحتى مناطقياً في بعض الاحيان .
والواقع ، ان اكثر ما يعمقها ويظهرها الى السطح هو رغبة بعض شرائح المجتمع من قيادات دينية روحية وسياسية المؤثرة في قيادة وتوجيه المجتمعات في استخدام تلك النزعة وتوظيفها لتعزيز وترسيخ التمايز والاختلاف بين المكونات الدينية والقومية والمذهبية والعشائرية ، وما بين الدول والشعوب بما يؤدي الى تماسك وحشد انصارها وأتباعها في مقابلة الآخر المختلف والمتمايز لتحقيق هدفين رئيسيين : الاول ، ضمان تأييد وتضامن الاتباع تحت سطوتها، والآخر ، تمكنها من استخدام ودفع الاتباع والشعوب وسائر المكونات المختلفة والمتمايزة في الصراعات التي قد تندلع بينها .
لذلك يعمد القائمون على تلك المكونات وقادتها الى (شحن ) اولئك الاتباع والانصار ليس فقط في ابراز مناقبهم ومضمون عقيدتهم وتمايزهم وأفضليتهم عن الاخرين ، انما بالتقليل من شأن الآخرين المختلفين والمتمايزين عنهم حيث يذهب ذلك التقليل بعيداً بالحط من شأن اولئك الاخرين ونشر وتعميق الضغينة ضدهم ونبذهم بما يساعد ذلك ، كما يعتقدون، على تحقيق المزيد من التماسك والحشد تجاه الآخر المختلف والذي قد يصل الى حد الصراع العنيف عندما تتهيأ الظروف المسببة لذلك . من هنا يمكن فهم لماذا تمارس الجماعات الارهابية من القاعدة وداعش وغيرها من تلك الجماعات كل اساليب القسوة البشعة في قتل وتدمير الآخر المختلف ، ولم تكتف مثلا بالترويج فقط لآرائها وفهمها لعقائدها واديولوجيتها، اسلامية او قومية او مذهبية، فانما يعود الى زرع وتأصيل الكراهية والبغضاء والرفض للآخر ، لتوليد (القناعات) لدى الأتباع بارتكاب الجرائم ضد الآخر وتصفيته بالأساليب والممارسات البشعة الاجرامية التي شهدنا بعض تعبيراتها في العراق وغيره من البلدان، ذلك ان تعميق وتعزيز نزعة الكراهية ضد الخصوم والاعداء الذين ترسم صورهم للاتباع ومنفذي الجرائم قياداتهم الموجهة كي لا تبقى لديها اية ذرة او قدر من الرأفة والرحمة اللذين ربما يمنعانه في اي لحظة من القيام باعماله الاجرامية .
من هنا يمكن القول والتساؤل : اذا كانت الكراهية للآخر المختلف المتمايز ونبذه وتشديد سعار الضغينة ضده ومعاداته ، تشكل احد المصادر او احد التعبيرات الاساسية للفكر المتطرف المؤدي والمنتج للعنف والارهاب .. فكيف يمكن القضاء ، او اقله الحد ، من دور الكراهية ونبذ الآخر في مجتمعاتنا في توليد وانتاج الفكر المتطرف المؤدي للارهاب ؟
لاشك ، ان من الصعب بل والمستحيل تخليص او انهاء نزعة الكراهية لدى الجماعات الارهابية لكن ما ينبغي فعله هو تحصين مجتمعاتنا ، من نزعة الكراهية المتواجدة ببعض جذورها لديه ، وذلك من خلال القيام بحملة واسعة من التثقيف المجدي والفعال لكل شرائح المجتمع ، وفي مقدمتهم الشباب والاطفال بأظهار المخاطر والنتائج السلبية لنزعة الكراهية ، وتقديم نماذج حية عما قدمته المجموعات الارهابية من جرائم ، والترويج في مقابل ذلك لقبول واحترام الآخر المختلف مهما كانت عقيدته او دينه او مذهبه او عرقه او لونه ، وهي قيم ومواقف ليست منة على الاخر، انما هي ايضاً لمصلحة الداعين اليها لضمان شروط أطمئنانهم وسلامتهم . وبالطبع فان الايمان بالمختلف الآخر واحترام خياراته ونبذ الكراهية يتطلب ايضاً رفض التعصب والغلو في المواقف والايمان بمبدأ التسامح ، حيث يساعد كل ذلك في الحد من الكراهية ومن دورها في انتاج الفكر المتطرف والحد بالتالي من الارهاب الذي ينتج أساساً من الفكر المتطرف والكراهية .