مصادقة رئيس الجمهورية على قانون الموازنة

سلام مكي
رغم ان نظام الحكم في العراق، وحسب نص المادة الأولى من الدستور، نيابي، الا ان الدستور ذاته، منح رئيس الجمهورية صلاحيات مهمة وأساسية، وان كانت تشريفية. الغرض منها التذكير بدور رئيس الجمهورية واهميته في الحياة السياسية. ومن تلك الصلاحيات اعتباره أحد أركان السلطة التنفيذية، إضافة الى الصلاحيات المنصوص عليها في المادة73. ولعل صلاحية المصادقة على القوانين التي يسنها مجلس النواب من أهم تلك الصلاحيات، كونها على تماس مستمر مع السلطة التشريعية. الدستور، ختم الفقرة التي تشير الى تلك الصلاحية بالجانب التشريفي المتمثل بأن القوانين تعتبر مصادقا عليها بعد مرور خمسة عشر يوما على تسلمها، سواء صادق عليها رئيس الجمهورية أم لم يصادق.
ما حدث مع قانون الموازنة العامة لعام2018، هو اعتراض رئيس الجمهورية على عدد من نصوص القانون، حيث اعتبر ان قانون الموازنة يتضمن العديد من المخالفات والخروقات الدستورية، وطلب من مجلس النواب إعادة النظر بتلك المواد، من باب ان رئيس الجمهورية وحسب نص المادة67 من الدستور يسهر على ضمان الالتزام بالدستور.
من جانبه بين مجلس النواب ان موضوع الموازنة انتهى بالنسبة له ولا يمكن إعادة القانون للقراءة مجددا بعد ان صوت المجلس عليه. ورغم مضي المدة الدستورية البالغة15 يوما الا ان رئيس الجمهورية لم يصادق على القانون.
ما دفع بمجلس الوزراء الى مخاطبة وزارة العدل لغرض الإسراع بنشر القانون في جريدة الوقائع العراقية، على اعتبار ان القانون لا يكون نافذا الا بعد نشره في الجريدة الرسمية. الأمر الذي دفع رئاسة الجمهورية الى مخاطبة العدل، طالبة منها عدم نشر القانون الا بعد ورود اشعار من رئاسة الجمهورية على اعتبار ان المادة73 ثالثا من الدستور منحت رئيس الجمهورية سلطة تصديق القوانين، بمعنى ان أي قانون لا يصادق عليه رئيس الجمهورية لا يمكن نشره في الوقائع، دون الالتفات على الفقرة الأخيرة التي تنص على اعتبار القانون مصادقا عليه بعد مضي15 يوما على تسلمه. ثم عادت رئاسة الجمهورية الى مخاطبة العدل طالبة نشر قانون الموازنة دون تصديق رئيس الجمهورية. الكل يعلم، ان قانون الموازنة له خصوصية تميزه عن باقي القوانين، حتى ان المادة 56 أولا نصت على ان فصل الانعقاد الذي تعرض فيه الموازنة لا ينتهي الا بعد الموافقة عليها، لما لها من أهمية تتمثل بكونها تتصل بجميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية العامة للدولة والمواطنين، حيث لا يمكن ان تستمر مؤسسات الدولة بالعمل دون إقرار قانون الموازنة، ولا يمكن للأفراد ان يمارسوا حياتهم الطبيعية دون تشريع القانون، كما ان المشاريع الاستثمارية والنفقات التشغيلية، كلها تعتمد على قانون الموازنة.. بالتالي، لا يمكن تأجيل القانون او التهاون في تشريعه مهما كانت الأسباب. رئيس الجمهورية، من حقه ان يمارس اختصاصاته، بالتصديق او الامتناع عن التصديق. والملاحظات التي نشرتها وسائل الاعلام تمثل وجهة نظره ومن حقه طرحها مهما كانت الدوافع والأسباب. رئاسة الجمهورية واي سلطة حكومية او جهة او فرد يتضرر من قانون الموازنة او أي قانون آخر يصدر عن مجلس النواب، ثمة طريق رسمه الدستور للطعن به. وهو اللجوء الى المحكمة الاتحادية التي لها اختصاص اصيل يتمثل بالنظر في دستورية القوانين. فرئيس الجمهورية يمكنه رفع دعوى امام المحكمة الاتحادية للطعن بالنصوص التي يراها مخالفة للدستور. وهذا هو الطريق الوحيد الذي رسمه الدستور للبت في صحة القوانين ومدى تطابقها من الدستور.