كيف تربح 100 مليار؟

عبدالحق بن رحمون
نسمعُ‭ ‬عن‭ ‬الملايير،‭ ‬والأموال‭ ‬الطائلة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬نراها،‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬رائحتها‭ ‬كريهة،‭ ‬أو‭ ‬بكلام‭ ‬اللغة‭ ‬المغربية‭ ‬المحكية،‭ ‬حينما‭ ‬نقول‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬يملك‭ ‬أمولا‭ ‬طائلة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬خَانَزْ‭ ‬فُلُوسْ‮»‬‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬منكم‭ ‬جرَّب‭ ‬يوما‭ ‬شمَّ‭ ‬رائحة‭ ‬النقود‭ ‬الورقية،‭ ‬فسوف‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬رائحتها‭ ‬كريهة،‭ ‬نظرا‭ ‬لكثرة‭ ‬تداولها،‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬صارت‭ ‬تحمل‭ ‬بكتيريا‭ ‬وجراثيم‭. ‬ومنكم‭ ‬من‭ ‬سيقول‭ ‬،‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الرائحة‭ ‬الكريهة،‭ ‬فإنني‭ ‬أحبُّ‭ ‬أن‭ ‬أتملك‭ ‬هذه‭ ‬الأموال،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بلاء‭ ‬الدنيا‭ ‬ومتاع‭ ‬الغرور‭.‬

ويقال‭ ‬للذي‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬تحصيل‭ ‬أموال‭ ‬‮«‬مقلوبة‭ ‬عليه‭ ‬القفة‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬لايفهم‭ ‬كيف‭ ‬يجمع‭ ‬الأموال،‭ ‬ويحدث‭ ‬أن‭ ‬نتهم‭ ‬أشخاصا‭ ‬بالبخل‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬لكنَّهم‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬يراكمون‭ ‬في‭ ‬رصيدهم‭ ‬أي‭ ‬أموال،‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬تهمة‭ ‬ورثوها‭ ‬ولا‭ ‬مهرب‭ ‬لهم‭ ‬منها‭. ‬

شخصيا‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬رأيت‭ ‬مليارا‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬مباشرة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬ولم‭ ‬أحلم‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬بفكرة‭ ‬أن‭ ‬أتحصَّل‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬الملايير،‭ ‬لكنني‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬أجدني‭ ‬دائما‭ ‬أنزوي‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬و‭ ‬أحلم‭ ‬بأحلام‭ ‬كلّها‭ ‬فراشات‭ ‬هاربة،‭ ‬وبالونات‭ ‬ملونة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تفرقع‭ ‬بالضحك‭. ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أخفيك‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬أنني‭ ‬حلمت‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬أنني‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬أموال،‭ ‬وقد‭ ‬ترى‭ ‬انت‭ ‬كذلك‭ ‬نفس‭ ‬الحلم‭ ‬لكن‭ ‬حسب‭ ‬ألوان‭ ‬حلمك‭ ‬الشخصي‭. ‬وفي‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬راودني‭ ‬استغرقت‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬بلهفة‭ ‬وهي‭ ‬مفرقة‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬استيقظت‭ ‬و‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬حلم‭ ‬ولم‭ ‬أندم‭ ‬عليه‭. ‬لكنِّي‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬كم‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬أحلم‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬اليقظة‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬الطائلة‭ ‬من‭ ‬الملايير‭ ‬وأكون‭ ‬أملكها‭ ‬وأوزع‭ ‬جزءا‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ ‬والمحتاجين،‭ ‬وألتزم‭ ‬الا‭ ‬أدخن‭ ‬السيجار‭ ‬ولا‭ ‬أشرب‭ ‬الويسكي‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الأثرياء‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬بصراحة‭ ‬لأن‭ ‬صحتي‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬بذلك‭. ‬

أما‭ ‬أولئك‭ ‬الحالمون‭ ‬بربح‭ ‬مليار،‭ ‬فتجدونهم‭ ‬يتسابقون‭ ‬مع‭ ‬خيول‭ ‬الرهان،‭ ‬أو‭ ‬كلاب‭ ‬الحظ‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬القمار‭ ‬التي‭ ‬تليها‭ ‬خسارات‭ ‬تلو‭ ‬خسارات‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬وفي‭ ‬مصير‭ ‬ومستقبل‭ ‬عديم‭ ‬الفائدة‭.‬

وإلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬كانت‭ ‬الناس‭ ‬تجمع‭ ‬الأموال‭ ‬والذهب‭ ‬وكل‭ ‬الأشياء‭ ‬النفيسة،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬كان‭ ‬يثق‭ ‬في‭ ‬ادخاره‭ ‬بالأبناك،‭ ‬فالمكان‭ ‬الأمين‭ ‬الآمن‭ ‬هو‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬ملحاف‭ ‬السرير‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬وسط‭ ‬إناء‭ ‬يُرْدَمُ‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬لايمكن‭ ‬أن‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬وجوده‭ ‬إنس‭ ‬أو‭ ‬جن‭.‬

و‭ ‬قد‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬صديق‭ ‬كثير‭ ‬‮«‬التقشاب‮»‬‭ ‬،‭ ‬وصاحب‭ ‬نكتة‭ ‬ومرح‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬والمغاربة،‭ ‬عندنا‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭ ‬تعد‭ ‬بالملايير‭ ‬لكننا‭ ‬ندعي‭ ‬الفقر‭ ‬ونركنها‭ ‬في‭ ‬الأبناك،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬خزائن‭ ‬مدفونة،‭ ‬لكنَّنا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬ماذا‭ ‬نفعل‭ ‬بها؟‮»‬‭ . ‬

وقلت‭ ‬له‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬ذلك‭ ‬فهناك‭ ‬إحصائيات،‭ ‬تعلن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومديونية‭… ‬وهناك‭ ‬مخلفات‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬المنشآت‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬قاطعني‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬أين‭ ‬تصرف‭ ‬أموال‭ ‬الأغنياء‭ ‬والفقراء‭ ‬فتعال‭ ‬معي‭ ‬الليلة‭ ‬إلى‭ ‬كازينو‭ ‬القمار‭ ‬بالمدينة‭ ‬الفلانية‭ ‬وبالشارع‭ ‬الفلاني،‭ ‬وسترى‭ ‬العجب‭ ‬العجاب،‭ ‬وسترى‭ ‬كازينوهات‭ ‬كالفطر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭. ‬عبست‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬صديقي،‭ ‬وادعيت‭ ‬أنني‭ ‬أعرف‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬لكنّني‭ ‬لم‭ ‬أدخل‭ ‬قط‭ ‬يوما‭ ‬أي‭ ‬كازينو‭ ‬إلا‭ ‬أني‭ ‬أكتفي‭ ‬بمشاهدة‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬قصص‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭. ‬

و‭ ‬لعبة‭ ‬القمار‭ ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬مرة‭ ‬مستشرية‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الفقراء‭ ‬والأغنياء،‭ ‬الكل‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يربح‭ ‬ويفوز‭ ‬بمائة‭ ‬مليار‭ ‬،‭ ‬الكل‭ ‬يقطع‭ ‬الأرقام،‭ ‬فمائة‭ ‬مليار،‭ ‬ليست‭ ‬بالشيء‭ ‬الهين،‭ ‬فالبعض‭ ‬لايهمه‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬مصدرها‭… ‬هل‭ ‬من‭ ‬الحلال‭ ‬أم‭ ‬الحرام‭.‬

وقائع‭ ‬كثيرة‭ ‬حدثت،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬بلاء‭ ‬الطمع‭ ‬بالملايير،‭ ‬فبمدينة‭ ‬مغربية‭ ‬صغيرة‭ ‬يصفونها‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يسكن‭ ‬فيها‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬‭ ‬لاصحة‭ ‬ولا‭ ‬فليسات‮»‬‭ ‬استولى‭ ‬أعضاء‭ ‬سابقون‭ ‬بودادية‭ ‬سكنية‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬خمسة‭ ‬ملايير‭ ‬سنتيم‭ (‬5‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭) ‬من‭ ‬الحساب‭ ‬البنكي‭ ‬للودادية،‭ ‬وأودعتهم‭ ‬السلطات‭ ‬القضائية‭ ‬بعد‭ ‬فضيحتهم‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال‭ ‬الاحتياطي‭ ‬بالسجن‭ ‬المحلي‭ ‬بالمدينة،‭ ‬قصد‭ ‬استنطاقهم‭ ‬في‭ ‬تُهم‭ ‬التزوير‭ ‬في‭ ‬محررات‭ ‬رسمية‭ ‬وخيانة‭ ‬الأمانة،‭ ‬والتصرف‭ ‬في‭ ‬مال‭ ‬مشترك‭ ‬بسوء‭ ‬نية‭ ‬والنصب‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬المنسوب‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الملف‭.‬

عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬،‭ ‬هل‭ ‬سبق‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬جربت‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬وطلبت‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬لك‭ ‬تعزه‭ ‬أن‭ ‬يسلفك‭ ‬100مليار،‭ ‬طبعا‭ ‬سيعتبر‭ ‬أنك‭ ‬تمزح‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬أنك‭ ‬بدأت‭ ‬تخرف‭ ‬أو‭ ‬أصابك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحمق،‭ ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬توفر‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬المليار‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يعطيه‭ ‬إياه‭ ‬كسلف‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ضمانات،‭ ‬ومن‭ ‬مكر‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬بنكا‭ ‬مغربيا‭ ‬عرف‭ ‬نظامه‭ ‬المعلوماتي‭ ‬خللا‭ ‬كبيراً،‭ ‬ووضع‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الزبناء،‭ ‬الذين‭ ‬صدمتهم‭ ‬الفرحة‭ ‬لما‭ ‬تفاجأوا‭ ‬بكنز‭ ‬من‭ ‬الأموال،‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬حلموا‭ ‬به،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬مصدرها،‭ ‬قام‭ ‬بعضهم‭ ‬بسحبها،‭ ‬مكبدين‭ ‬بذلك‭ ‬المؤسسة‭ ‬خسائر‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬هذا‭ ‬البنك‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أجهضت‭ ‬أحلام‭ ‬زبنائها‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬للفقر‭ ‬وداعًا‭. ‬

فتم‭ ‬تهديدهم‭ ‬بالتقدم‭ ‬بشكايات‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬ضد‭ ‬الزبناء‭ ‬الذين‭ ‬سحبوا‭ ‬مبالغ‭ ‬غير‭ ‬متوفرة‭ ‬في‭ ‬حساباتهم،‭ ‬ودعتهم‭ ‬لارجاع‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬سحبوها‭ ‬بسبب‭ ‬الخلل‭ ‬المعلوماتي‭ . ‬

وبهذه‭ ‬السهولة‭ ‬تتبخر‭ ‬أحلام‭ ‬الملايير،‭ ‬كما‭ ‬تبخرت‭ ‬أحلام‭ ‬أمم‭ ‬وحضارات،‭ ‬فالملايير،‭ ‬تذهب‭ ‬وتأتي‭ ‬لكن‭ ‬معدن‭ ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬يبقى‭ ‬ولا‭ ‬يفنى‭.‬