من يقصف الكُرد؟ طائرات مسعود البرزاني أم العُمّال الكّردستاني؟

جوان سوز*
تقوم الطائرات التُركية منذ أيام بقصف مواقعَ عسكريّة لحزب العمال الكُردستاني في إقليم كُردستان العراق وكذلك مواقع متفرقة لمؤسسات تابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي في روجآفا (المناطق الكُرديّة شمال سوريا وشمال شرقها). أي أن تركيا قصفت مراكز للحزب الكُردي الّذي يسيطر على تلك المناطق كلها بمفرده. وبالطبع ردود الأفعال الكُرديّة والبيانات الصحافية التي تصدرها الأحزاب والتيارات الكُردستانية غير جديرة بالتوقّف عندها، فرغم أن مدنيين كُرداً كانوا ضحية هذه الهجمات ككل مرة تستهدف فيها الطائرات التركية تلك المواقع، إلا أن ذلك يبدو غير مهم أمام مصالح الأحزاب الكُردستانية!
فالحزب الديموقراطي الكُردستاني الّذي يتزعّمه الرئيس مسعود البرزاني ، رئيس إقليم كُردستان العراق، ووزارة البيشمركَة الكُردستانيّة، نددا بالهجوم التركي على مواقع العمال الكُردستاني، لكنهما في الوقت ذاته، حمّلا حزب العمال الكُردستاني مسؤولية الهجوم نتيجة خلافات سياسية وعسكرية متعلقة بمطالبة الحزب الديموقراطي الكُردستاني بانسحاب حزب العمال الكُردستاني من منطقة شنكَال/ سنجار شمال غرب العراق ضمن أراضي إقليم كُردستان، والتي دخلها حزب العمال الكُردستاني بعد إبادة الكُرد الإيزديين هناك وسبي نسائهم في آب (اغسطس) 2014.
ولم يختلف بيان المجلس الوطني الكُردي الّذي يمثّل الكتلة الكُردية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عن البيانين المذكّورين أعلاه، فهو أيضاً حمل حزب العمال الكُردستاني مسؤولية الهجوم التركي، لكن هذا البيان هو موقف جريء يُسجل لصالح المجلس رغم وجود نصائح كيديّة لطرف كُردستاني واحد، ذلك أن البيان دان التصعيد التركي ضد الكُرد وهذه سابقة تستحق الوقوف عندها.
المؤسف في هذه البيانات الثلاثة، هو ما جاء من المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكُردستاني، حيث قال في بيانه: “في الوقت الذي نندد بشدة بالهجمات التركية على سنجار والتي راح ضحيتها عدد من البيشمركَة، ونعتبرها أمراً غير مقبول البتة، فإننا نحمل حزب العمال الكوردستاني مسؤولية الهجوم”. مَنْ يقرأ هذه السطور الثلاثة من هذا البيان، يعتقد أن طائرات حزب العمال الكُردستاني هي الّتي قصفت البيشمركَة وليست الطائرات التركيّة. ربّما نسيَ أو تناسّى “كاتب البيان” أن تركيا لا تستهدف حزب العمال الكُردستاني وحده ولا تستهدف البيشمركَة وحدها، هي تستهدف الكُرد فقط مهما اختلفت إنتماءاتهم السياسيّة، ولعلَّ وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإعلام والرايات الكُردية والكُردستانية بـ “رقعٍ بالية”، يؤكد صحة هذا الكلام إلى جانب مطالبته بإنزال الإعلام الكُردستانية الّتي ترفرف فوق سماء مدينة كركوك منذ فترةِ قصيرة، فالحرب الكُرديّة ـ التركية هي حرب وجوديّة ولو كان هناك حزب آخر غير حزب العمال الكُردستاني في كُردستان العراق وحلفائه في روجآفا، لقصفته تركيا أيضاً، من يمكنه أن ينسى المقولة الأتاتوركيّة الشهيرة “الكُردي الجيّد هو الكُرديٌ الميّت!”؟
المؤسف أكثر من هذه البيانات الثلاثة هو الاعتصامات المنددة بالقصف التركي، والّتي يقوم بها أنصار حزب العمال الكُردستاني، ففي معظم هذه الاعتصامات يكون الزعيم الكُردستاني مسعود البرزاني خائناً على حدِ وصفهم، وصديقاً لأردوغان كما يسمّونه، حتى ولو تعمّقت في شعاراتهم أكثر، ستنسى أن الطائرات التركية هي التي تقصف الكُرد، وستقول: “إنها طائرات مسعود البرزاني!”. هذه الذهنية الحزبيّة الضيّقة التي يتسابق عليها كلا الطرفين الكُردستانيين، ستؤدي بالكُرد إلى مزيد من الدماء، وستقضي على أي نجاحٍ لهما في كُردستان العراق أو روجآفا.
وإن كان مسعود البرزاني يتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا، فسيدرك حتى هؤلاء الّذين يشتمونه في اعتصاماتهم أنّه ليس سعيداً بزياراته لأنقرة ولا للقصف التركي لمقارّ العمال الكُردستاني. يجب أن يدرك هؤلاء أن للإقليم مصالح خاصة ويخوض صراعات طويلة مع حكومة بغداد وأنقرة وطهران وحتى دمشق، وطبعاً لكل من هذه الأطراف أجنداته الّتي يعتمد عليها هنا وهناك، كما أن الاتهامات الّتي يوجهها أنصار الحزب الديموقراطي الكُردستاني إلى العمال الكُردستاني هي أيضاً يجب أن تتوقف، فأن كانت علاقة العمال الكُردستاني جيدة بإيران، فيجب أن يتذكّر هؤلاء أن الرئيس البرزاني نفسه قال في حوار تلفزيوني على شاشة سكاي نيوز عربيّة: إن إيران هي من أولى الدول التي قدمت لهم الأسلحة في حرب الإقليم ضد تنظيم داعش، كما أن السيد هوشيار زيباري، وزير خارجية العراق لغاية عام 2014، كان يزور دمشق وقال في حوار صحافي سابق مع صحيفة الحياة اللندنية: إن علاقتهم كانت جيدة مع نظام الأسد وإنه الوحيد الّذي أخبرناه بأن أميركا ستحتل العراق بعد زيارتنا لوشنطن”.
وبالتأكيد ليست المشكلة في تفضيل طرف كُردستاني على آخر، فهو أمرٌ لا بدَّ منه قياساً إلى منجزات كلّ منهما، لكن المشاركة في صراع كُردي ـ كُردي أو كُردستاني ـ كُردستاني يجب أن يتوقف، على الأقل في الوقت الراهن، فالمتابع الشؤون الكُردستانية، قد يتساءل بعد كلّ هذه المهاترات العسكرية والسياسية الكُرديّة ـ الكُرديّة، من يقصف الكُرد؟ طائرات مسعود البرزاني أم حزب العمال الكُردستاني؟ وبطبيعة الحال، سينسى ما إذا كانت الطائرات التركيّة هي الّتي تقصفهم بالفعل!

*صحافي كردي