الأخلاق السياسية

محمد السيد محسن*
لم يشهد العراق منذ تاسيس دولته الحديثة تخريبا اخلاقيا معلنا مثلما يشهده اليوم في المشهد الانتخابي والذي اخذ على عاتقه ممارسة التسقيط السياسي من قبل البعض للبعض.
وقد ساهمت الثورة الالكترونية في تفعيل هذا التخريب من خلال استسهال نقل المعلومة وترويجها والاطلاع عليه، وبات المشهد الالكتروني في العراق هو الاهم على مستوى المشاهد الاعلامية، وبات الاعلام التقليدي تابعا للمشهد الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات الاعلام يتلقى من خلال هذه المواقع الكثير من اخباره وتحليلاته، في وقت بات فيه التلاعب بالقيم والاخلاق والتقاليد ممارسة فائتة وليست محرجة للبعض، مستندين الى الخلوة الافتراضية التي تمنحها لحظة الممارسة الالكترونية من خلال التواجد مع الجميع بشكل غير حقيقي فيما يطلق عليه بالعالم الافتراضي، حيث يمكنك ان تتواجد مع اصدقائك وفي الحقيقة انت في غرفتك الخاصة تلتزم الصمت في وقت يرتفع الحوار بينك وبين الاخر بشكل عال جدا.
وقد تجاوز التسقيط خطوطا حمراء متجاهلا العادات والقيم التي يمتاز بها مجتمعنا، بل وتجاهل تداعيات بعض الاحداث، فاذا تم مس سيدة مجتمع معينة فان تداعيات هذا المس سيطال عائلتها وعشيرتها والاقربين.
وبالتالي فان ما يجري من تسقيط اخلاقي من قبل البعض للبعض وخصوصا للعنصر النسائي الجديد الذي يشارك في الانتخابات لاول مرة فانما يعد سابقة خطيرة على مستوى انحراف الاخلاق العامة خصوصا وان الجيوش الالكترونية التي تعمل لدى بعض السياسيين نجحت في قيادة دفة الممارسة وجعلت الشعب مقلدا طائعا وتابعا دون ان يعلم ما يقوم بفعله .
وهذا الاختبار الاخير هو اخطر ما يواجه المجتمع العراقي حيث ان تناقل اللقطات التي انما تم توزيعها في نطاق محدود لاختبار القيم الاخلاقية التي فشل فيها كثير من العراقيين هي المحنة العراقية الحقيقية التي يجب التركيز عليها فنحن امام شريحة واسعة من ابناء الشعب العراقي من طبقة مجتمعية اسمها “الهمج الرعاع” الذين ذكرهم الامام علي بن ابي طالب في معرض تصنيفه للمجتمع حين قال: الناس ثلاث: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح.
ووفق هذه النظرية الاجتماعية نرى ان هذه الطبقة باتت مترسخة وواسعة في المجتمع العراقي وتفعيلها في مرحلة ما قبل الانتخابات من اهم الاختبارات التي يسعى صاحب المشروع للتعرف على نتائجه، نعم، فمشروع الفساد والافساد في المجتمع العراقي هو نخر القيم وتسطيح المقدس وتشويه المقاييس.
ولكن هل تعي هذه الطبقة السياسية ؟
هل هي شريكة في جريمة الإفساد؟
هل هي قادرة على استقراء ملامح ما يجري؟
بالفعل لا … ولكن بشكل غير مطلق، لان البعض من الطبقة السياسية وخصوصا اصحاب القرار والذين ادمنوا التواجد في المشهد السياسي منذ العراق الجديد ، انما ينتمون الى طبقة منقادة لأحلامها القافزة على تلك القيم والاعراف والتقاليد، في محاولة للوصول الى هدفها الاساس وهو البقاء في المشهد السياسي مهما كانت نتائج الوصول، وفق غاية تبرر كل وسائله.

*رئيس التحرير