تقرير.. جوع وبؤس ونهاية حتمية: حال بقية داعش في الموصل

بغداد – الاعمار
رأت الوكالة التجارية “WIDO” شفرة مُعلقة على رف في حي الجديد بالموصل الخاضع لسيطرة تنظيم داعش. وهي منشار دائري يُباع من شركة سوتشو شرق الصين.
يقول الصحفي الذي اعدّ التقرير لصحيفة “جورزاليم بوست” خلال رحلته الى الى الموصل لتغطية عمليات الحرب الجارية هناك، إن بطريقةٍ ما وصلت هذه البضائع الى العراق، وهذه مواد اولية يمكن تصنيعها ليهاجم فيها المسلحون الارهابيون القوات الامنية.
وبما أن تنظيم داعش يواجه الهزيمة في العراق، فانه مازال يزود نفسه بالأسلحة، ولاتزال طائرات التنظيم الارهابي بدون طيار تصور الشاحنات المحملة بالقنابل حين تقوم بضرب القوات العراقية، ولاتزال ايضاً تنشر مقاطعاً فيديوية بجودة هوليوود عبر الانترنت.
السؤال هو، كيف يكون هذا ممكناً؟، على اعتبار ان التنظيم الارهابي تحت حصار القوات الامنية العراقية ومن عدة أحياء، والمسلحون هنا يتضورون جوعاً كتضور جنود لينينغراد في الحرب العالمية الثانية.
حين عثرت القوات الامنية في المناطق المحررة على عتاد داعش، كانت الكثير منها من تلك الماركات التجارية العالمية مخزونة بالكامل. المقتنيات التي يمتلكها داعش والتي تم التعرف عليها بعد أن ترك المسلحون متحف الموصل، تجد نفسها موجودة في محلات تجارية في عمّان او القاهرة.
وفي متجرٍ للأجهزة في الموصل، وجدت القوات الأمنية مواد لاصقة مستوردة من تركيا، ومواد تكفي لصناعة عبوة محلية. الناس بالعراق ليست لديهم تلك الخبرة لمعرفة هذه المواد، وفي كثير من الأحيان، يبيع البائع هذه المنتجات لاغراض اعتيادية. المصدر المقلق من تلك المواد، هي نترات البوتاسيوم المادة الرئيسية لصناعة قنبلة، هذه وجدت في منطقة الحمدانية.
وفي أبرز تقرير اعدته مراكز بحوث التسلّح في كانون الأول من العام 2016 بعنوان “توحيد ومراقبة الجودة في الانتاج العسكري لتنظيم داعش”، سلط التقرير الضوء على كيفية حصول مسلحي داعش على امداداتهم، مثبتة بتواريخ الانتاج والاستلام، وهذه تعود الى سنوات سابقة، وتشير الى ان مسلحي داعش قاموا بالاستخواذ عليها من شركات تتعامل معها كبرى الدول، واغلبها تركية الصنع.
ويصف التقرير بأن سلسلة توريد الأسلحة القوية القادمة من تركيا مروراً بسوريا وانتهاءً بالموصل، هي من اقوى الواردات لداعش. وخلص معدّو التقرير الى ان هناك شبكة كبرى في تركيا يديرها ممثلون عن داعش ويؤمنون الخطوط المباشرة لهم.
وتبدو مواعيد تصنيع العبوات مثيرة للانتباه والاهتمام، فقد تم انتاج عبوات بعضها يعود الى عام 2011، مثل نترات البوتاسيوم الذي يُستخدم لوقود الصواريخ، كميات من السوربيتول المصّنع من قبل شركة تيريوس الفرنسية في عام 2015.
وفي ذروة الحرب على داعش، كان المسلحون يحصلون في السكر من مصفاة شيكا في لبنان في تشرين الثاني من العام 2015.
وأستورد تنظيم داعش الصواريخ بعد شهر آب من العام 2014، وهو ذلك التاريخ الذي تم فيه تشكيل التحالف الدولي. ومع ذلك، عُثر على منتجات لشركة كار لتعبئة الزيوت، وهي منتجات لشركة تركية معروفة اسمها “بيترول اوفيسي” في ايلول من العام 2015.
وتعكس خطوط الامداد التابعة لداعش بشكل وثيق عملها من خلال تدفق المسلحين الاجانب، اذ قدر تقرير اعده معهد الاقتصاد والسلام في عام 2015، أن 30 الف مقاتل سافر الى سوريا والعراق منضمين الى داعش، وجاء ذلك في الأشهر الستة الاولى من عام 2015، نحو 7000 مسلح.
ولم تتمكن جماعات الرصد من تتبع المسلحين الذين انضموا الى تنظيم داعش، الذين كانوا فيما سبق مسلحين في جماعات جهادية اخرى غير تنظيم داعش. وتقدر جماعة صوفان أن 31 الف مقاتل جاء الى سوريا والعراق، فضلاً عن تدفق نحو 5000 مسلح من اوربا و6000 تونسي والالاف من روسيا وتركيا.
بدأت شبكة تدفق المسلحين الارهابيين الذين جاءوا عبر تركيا وعبروا الحدود التركية التي يسهل اختراقها الى سوريا بالانخفاض في عام 2015، وحين بدأت تركيا ببناء جدار حدودي، ففقد تنظيم داعش السيطرة على طول الحدود مع بدء الاكراد عملية استعادة بلدة كوباني. لكن خطوط الامداد استمرت في العمل، وتم العثور على طرق اخرى لتهريب البضائع.
وإلى جانب التسريبات التي حصلت عليها الصحيفة الاسرائيلية “جورزاليم بوست” من خطوط الامدادات، فان تنظيم داعش انتعش مالياً حين اخذ رواتب موظفي محافظة الموصل القادمة من الحكومة العراقية.
في تموز من العام 2015، قالت وكالة رويترز للأنباء إن “كل المدفوعات توقفت لتحرم المتقاعدين في كل المدن فضلاً عن موظفي الخدمة المدنية من الاطباء والمعلمين والممرضات والشرطة والعمال”.
وكم عدد الملايين او المليارات من الدولارات التي تدفقت لخزانات داعش من خلال فرض الضرائب التي تقدر (بـ 50٪) على رواتب موظفي الخدمة المدنية التي دفعتها بغداد بين عامي 2014 و2015؟. اما الموازنة العراقية فهي غامضة بعض الشيء إلا أن مركز روابط للأبحاث المختص في مجال الأمن، أدعى أن الحكومة العراقية دفعت 727 مليار دينار عراقي لمجال التعليم في عام 2015، وإذا اضفنا تلك الرواتب لضرائب قطاع الكهرباء، فيرتفع المبلغ الى تريليون دينار.
وبلغت نسبة السكان العراقيين المحتجزين تحت حكم داعش عند 15 في المائة، وهذه النسبة تذهب رواتب موظفيها الى التنظيم الارهابي التي تبلغ بالشهر الواحد حوالي 1.5 مليون دولار.
وذكرتْ وكالة الاسوشيتد برس في شباط من العام 2016 استناداً الى تقارير الخبراء ومن ضمنهم ايمن التميمي، الزميل في منتدى الشرق الأوسط، أن تنظيم داعش خفّض رواتب مسلحيه وبدأ يصرف لهم بالدولار الامريكي، مشيراً الى استمرار حصول داعش على الحوالات المالية حتى عام 2016.
منشآت الكهرباء العاملة في مناطق خاضعة لتنظيم داعش، بقت الحكومة تدفع ثمنها لضمان عدم تفجير الموالدات الكهربائية العملاقة، وهذا الحال كان يسري على سوريا أيضاً.
الأكثر غرابة في الأمر، انه حين قام الجيش العراقي بتحرير شرق الموصل، قطع مسلحو داعش خطوط الكهرباء المؤدية الى شرقها، وكان المسلحون الارهابيين الوحيدون القادرون على التحكّم بهذه الطاقة.
وفي ذروة الحصار على الموصل، كان المسلحون يمتلكون الورقة الرابحة وهي السيطرة على الكهرباء، فحتى السكان الذين تحت سيطرتهم تنعموا بكهرباء أفضل من المناطق المحررة.
بدأ تنظيم داعش استخراج عشرات الآلاف من البراميل النفطية يومياً، وفقاً لتقرير صحيفة الفايننشال تايمز. وفي تشرين الأول من العام 2015، كان يجني تنظيم داعش اكثر من 1.5 مليون دولار يومياً.
وأشار تقرير الصحيفة البريطانية الى انه عبر “نظام منظم للغاية، فان المشترين السوريين والعراقيين يذهبون مباشرةً الى حقول النفط بشاحناتهم لشراء النفط الخام من ممثلين عن تنظيم داعش”.
وكما هو الحال بالنسبة للنفط، فان الغارات الجوية التابعة للتحالف الدولي لم تركز في بداية عملها على ضرب شاحنات داعش المحملة بالنفط.
وتمكن مسلحو داعش من تنظيم التجارة والاستيراد والامدادات للاسلحة، وإدارة فعالة للاقتصاد حتى اللحظات الاخيرة من الحصار في الموصل. الآن وبعد هذا الحصار ولم يبق له سوى 11 كيلومتر مربع، إلا ان قرصة القوات الامنية ليست قاسمة لظهره، بدليل بقاءه يعمل تحت هذه الظروف.
وعلى الرغم من أن التحالف الدولي يضم أكثر من 68 دولةً، فان مختلف جيوش العالم بما فيهم العراق بجيشه وبيشمركته، والنظام السوري والمتمردين السوريين لم يقوموا بحرب شاملة ضد التنظيم الارهابي او اقتصاده. بدليل انه استفاد من رواتب الحكومتين العراقية والسورية اللتان كانتا تدفعانها الى مناطق واحياء خاضعة لسيطرته.
والحجة وراء عدم قطع الرواتب، هي أن الملايين من المدنيين سيجوعون، لكن المجهود الحربي الذي قام به مسلحو داعش استفاد من تلك الأموال.
واستطاع التنظيم الارهابي أن يطيل من عمر الحرب، لان لم يتعرض ابداً لهجوم شامل، فالقوى المضادة له، كانت فاترة في استهدافه والسعي الى تدميره بسرعة وفاعلة.

المصدر: وان نيوز