قراءة في بيان المرجعية إزاء انتخابات ٢٠١٨

حيدر اليعقوبي
دأبت المرجعية الدينية العليا لمتمثلة بالسيد علي السيستاني قبل كل انتخابات بتقديم جملة من النصائح للناخبين، فهي ترى واجبها يحتم عليها تقديم النصح. في الفترة الأخيرة طالب آلاف العراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتوضيح وجهة نظر إزاء الانتخابات، وأخذوا حيزًا كبيرًا بتفسير عبارة “المجرب لا يجرب”، وكلّ -وأقصد الأحزاب السياسية- فسرها بمزاجية مطلقة وفق ما يتناسب مع متبنياته، إلا أن بيان المرجعية الذي صدر اليوم (٤ أيار ٢٠١٨) دحض تلك التفسيرات، وبالرغم من وضوح كلام المرجعية فإننا نجد من يبحث عن تفسير البيان رغم وضوحه كوضوح الشمس، ومع ذلك سأدلو بدلوي لـ”تفسير المفسر”، و”توضيح الموضح”، و”تبيين المُبيَّن”، وبالرغم من أن البيان حمّل الحكومات السابقة مسؤولية ما وصل إليه العراق الآن، ولم يذكر في الخطبة أيّة نقطة إيجابية عنها، إلا أن كلامي هنا موجه لمن كان ينتظر رأي المرجعية فقط، وكما يلي:
***
أولًا: المرجعية أكدت “أن المسار الانتخابي لا يؤدي إلى نتائج مرضية إلا إذا توفرت عدة شروط”:
أ- “أن يكون قانون الانتخابات عادلًا يراعى حرمة أصوات الناخبين وعدم الالتفاف عليها”. هنا تؤكد المرجعية بأن نظام توزيع المقاعد “سانت ليغو المعدل” لا يراعي “حرمة” أصوات الناخبين، وأن التعديل الذي ارتضاه غالبية نواب البرلمان بأن يكون تقسيم الأصوات ابتداءً من (١.٧) هو التفاف على الأصوات من قبل القوائم الكبيرة، وهنا تدعو المرجعية -رغم التأخر- بصورة غير مباشرة إلى تعديل نظام توزيع الأصوات قبل الانتخابات، لكنها للأسف دعوة متأخرة.
ب- “أن تتنافس القوائم وفق برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيدًا عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الاعلامية”. في هذا الشق تدعو المرجعية إلى “المنافسة الشريفة”، البعيدة عن الترغيب على حساب المنافس الآخر أو الترهيب من فوز المنافس أو التسقيط السياسي، سواء أكان شخصيًا أو قوميًا أو طائفيًا، فالمرجعية تؤكد على ضرورة التنافس بـ”البرنامج الانتخابي” الذي يتضمن ثلاث ركائز أساسية وهي “الإقتصادية، التعليمية، الخدمية”، واختيار المرجعية لهذه الركائز لأهميتها القصوى بسبب انهيارها في جميع أنحاء البلاد منذ ١٥ عامًا، فيما تؤكد المرجعية أيضًا على أن تكون تلك البرامج قابلة للتنفيذ، وليست مستحيلة أو خيالية.
جـ- “أن يمنع التدخل الخارجي بالانتخابات من قبيل الدعم المالي وغيره، وأن تُشدد العقوبة على ذلك”. تؤكد المرجعية على ضرورة عدم التصويت للقوائم التي تتلقى دعمًا خارجيًا، سواء بالأموال أو بالإعلام، وتؤكد على ضرورة معاقبة من يتلقى الدعم الخارجي، والأمر بيِّن للجميع.
د- “وعي الناخبين لقيمة اصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين إزاء ثمن بخس ولا اتّباعًا للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصية أو النزعات القَبلية أو نحوها”. تُحمل المرجعية الناخب مسؤولية اختياره، وتدعو لعدم انتخاب غير المؤهلين مقابل ثمن بخس كأن يكون كارت تعبئة أو فرش شارع بالسبيس، أو طمر مستنقع، وكذلك أن لا يتبعوا أهواءهم وعواطفهم من خلال دعم مرشح ما غير كفوء كأن يكون “صديقًا” على سبيل المثال، أو رعاية لمصلحة شخصية كوعد المرشح للناخب بالتعيين مثلًا، أو دعم مرشح لأنه من نفس العشيرة أو القبيلة.
ثانيًا: دعت المرجعية إلى عدم انتخاب هؤلاء:
أ- من استغل السلطة ممن أُنتخبوا أو تسنموا مناصب عليا في الحكومات السابقة.
ب- المساهمون في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة لم يسبق لها مثيل.
جـ- من ميَّزوا أنفسهم عن غيرهم برواتب ومخصصات كبيرة.
د- من فشلوا في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه.
هـ- من يستغل عنوان المرجعية الدينية، أو أي عنوان آخر يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين -كالحشد الشعبي- للحصول على مكاسب انتخابية.
و- غير المؤهلين، وغير الكفوئين، ومن يشترون أصوات الناخبين بأثمان بخسة.
ثالثًا: أكدت المرجعية بأنَّ العزوف عن الانتخابات -عدم ممارسة الحق الانتخابي- سيمنح فرصة إضافية للآخرين في فوز منتخبيهم، وهؤلاء ربما يكونوا بعدين “جدًا” عن تطلعاته لأهله ووطنه، وتقصد المرجعية “فئة المقاطعين”، لكن يبقى قرار المشاركة من عدمها متروكًا للناخب، وهو من يتحمل مسؤولية عدم تصويته جملةً وتفصيلًا.
رابعًا: المرجعية تنأى بنفسها عن دعم مرشح أو قائمة، وأكدت وقوفها على مسافة واحدة من الجميع، واختيار المرشح هو مسؤولية الناخب وحده فقط بعد الفحص والتمحيص، وهذا الأمر يعتمد على الناخب في البحث عن الكفوء، والنزيه، والملتزم بالقيم والمبادئ، والمبتعد عن الأجندات الأجنبية -سواء إسلامية أم غير إسلامية- وكذلك من يحترم سلطة القانون، والمستعد للتصحية في سبيل الوطن وخدمة المواطنين، ومن يستطيع تنفيذ برنامج “واقعي” لحل الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنوات طوال.
خامسًا: المرجعية أكدت على ضرورة الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء قوائمهم، خصوصًا الذين كانوا في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة، لتفادي الوقوع في شباك المخادعين والفاشلين والفاسدين والمجرمين أو غيرهم.
سادسًا: المرجعية الدينية لم تضع معيارًا دينيًا للاختيار، وهذا يدلُّ على أنها تدعو لدولة مدنية تحترم الأديان، وتحقق العدالة، وتبسط سلطة القانون، فجميع المعايير المذكورة في البيان تتلخص بثلاث صفات وهي: “الكفاءة، النزاهة، والنجاح في المسيرة العملية”.
***
بعد أن قدمت المرجعية نصائحها للناخبين لكي يصوتوا لمن يروه مؤهلًا لتولي المسؤولية، فإن الكثير من الأحزاب السياسية ستجيّر البيان لصالحها، وستقوم جيوشها باجتزاء مقاطع من البيان لصالحها، وتنشره بكثافة لغرض خداع الناخب بأن المرجعية تقصدهم بالإيجابية دون غيرهم، وبالفعل. أصدرت بعض الأحزاب السياسية بيانات تؤكد امتثالها لأوامر المرجعية، وهذه البيانات لا تعدو أن تكون طريقة للخداع والاستغلال الضحل للبيان المهم، وكل الأهداف من وراء ذلك شاخصة للجميع. لكن هل يستجب الناخب -الذي كان ينتظر رأي المرجعية- لهذه النصائح؟
الأيام ستجيب على هذا التساؤل.