المدارس الاهلية.. هل تلعب دور العتلة لتحسين التعليم ونهضة المجتمع؟
د. عادل عبد المهدي
خصصت موازنة 2017 للتربية 1.5 ترليون دينار، اي 192061 ديناراً كلفة التلميذ السنوية، بانخفاض كبير عن الموازنات السابقة. ومع ازدياد السكان بمعدل 3% سنوياً، اي مليون نسمة، وتراجع موارد النفط، وضعف النشاطات الاقتصادية الاخرى، فان ازمة التعليم مرشحة لمزيد من التعقيدات. لدينا اليوم 20963 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية، و7.35 مليون تلميذ/ة وطالب/ة بتفوق الاناث، مع نقص الاف البنايات، والتجهيزات والفعاليات التربوية، والدوام المزدوج والمثلث، ومعالجة ضعف المناهج ومواجهة تطورات المستقبل.
امام تردي التعليم، برزت المدارس الاهلية التي ما زالت ضعيفة عدداً ونوعاً.. تشير بعض الاحصاءات في 2016 وجود 1325 مدرسة، يرتادها 125 الف تلميذ وطالب و12 الف كادر تدريسي، وتتراوح تكاليف الفرد بين 500 الف دينار سنوياً الى 3 مليون واكثر. لاشك ان الطابع التجاري ما زال يغلب على معظم هذه المدارس، اضافة لكثير من السلبيات.. وهذه بعض الملاحظات:
1- ان يعتبر الجميع هذا التوجه جزءاً من الحل، وتوجهاً ايجابياً واساسياً يجب ان يحظى بالتشجيع، لا ان يحارب ويهاجم بمبرر وبدون مبرر. خصوصاً بلحاظ حالة المدارس الحكومية والروتين والموازنات المتراجعة. وان نجاح التجربة سيخفف الضغط ويساعد على تحسين المدارس الرسمية ويفتح امالاً لكثيرين. فمن لديه حل جدي متوفر الشروط، فليتقدم به وسنقبل الحجة، بخلافه على المخالفين قبول حجة غيرهم. فالوضع خطير ولا يتحمل التسويف والجدل البيزنطي. بالتأكيد يجب وضع الشروط والضوابط كما في البلدان الاخرى، لا اكثر ولا اقل.. لكننا نلاحظ احياناً مغالاة وعدم تقدير الواقع.. فمن غير المعقول المطالبة بامور تعجيزية او محبطة للمؤسسين وقاتلة لدوافعهم، بينما لا تقوم الدولة بتوفيرها في مدارسها. فكل ما يقود للامام يجب ان يشجع وان كان جزئياً وتدريجياً.
2- معدلات الاجور المرتفعة، ستحددها المنافسة والنوعية والتدافعات.. فما دام المستوى التعليمي بما يبرر الاجور، وما دامت بعض العوائل مستعدة لتحمل الاعباء، فيمكن القبول بذلك، بل والاستفادة منه، كاشتراط قبول –بشروط معروفة- ما لا يقل 20% مثلاً من طلابها مجاناً و20% بنصف الاجور مثلاً. وهكذا نقلل الفوارق الاجتماعية برفع الادنى للاعلى، وليس العكس. علماً ان مسوحات وزارة التخطيط تبين ان هناك 5 شرائح اجتماعية: فقيرة، متوسطة دنيا، متوسطة وسطى، متوسطة عليا، وغنية، وان كلاً منها تمثل 20% من السكان تقريباً.
3- ان تتعامل الدولة تشريعياً وتنفيذياً مع المدارس بمنطق تدريجي، وليس فجائي.. وتراقب تطور المدارس واستجابتها للمستلزمات والشروط العملية والمعيارية.. فالمطلوب في النهاية توفير مستويات راقية ومتقدمة من التعليم يبلغ على الاقل مستوى الدول المحيطة ان لم يتقدم عليها.. ولتحقيق ذلك، ولتبرير الاجور المرتفعة، لابد من اهتمام مؤسسي هذه المدارس بإعداد كادرهم.. وبنوعية المناهج، وادخال المناهج الالكترونية التي تساعد الطالب والمدرس في آن واحد، وفق احدث الممارسات.. وهو ما قد يساعد على نشر هذا الاسلوب في المدارس العامة لتكون الكلف الكلية ارخص، والنتائج العامة اعلى. وان لا يقتصر نشاط هذه المدارس على المنهاج التعليمي والشهادة، بل لابد من منهاج تربوي يهتم بتطوير قابليات وابداعات الطلبة الادبية والعلمية والحياتية والفنية والادبية والرياضية والمهنية والروح الوطنية والسلمية لندخل دماء وافكار جديدة الى المجتمع باثارها الايجابية المباشرة وغير المباشرة.
4- تشجيع توجهات “الدراسة عن بعد” وشرعنة الامر، لتخفيف الضغط على النفقات والكلف ونشر العلم لكل من يطلبه، كل ذلك وفق شروط وضوابط كما يجري عالمياً.
5- ان تشتري الدولة المقاعد الدراسية جزئياً او كلياً من المدارس الاهلية، ففي حالات كثيرة ستجد انه اكثر اقتصادية وجدوى لها.. ففي دول عديدة هناك حد ادنى تدفعه الدولة مقابل كل تلميذ وطالب في المدارس الاهلية. وهذه كلها قد ترفع الضغط عن المدارس الحكومية لتطوير اوضاعها وتحقيق المادة الدستورية (34) التي اشترطت ان “تكفل الدولة مكافحة الامية” وان التعليم “الزامي في المرحلة الابتدائية”، وان “التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله”، وان “التعليم الخاص والاهلي مكفول” قانوناً.