علاوي والصدر… استنساخ مرحلة
محمد السيد محسن*
فاز تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر وباتت الشكوك تحوم حول قدرته لجمع تحالفات اخرى للخروج بتحالف كبير يستطيع ان يقنع الكتل بتكليفه من قبل الرئيس الذي لم يحدد بعد.
وعند استعادة المشهد عام 2010 يوم فاز تحالف العراقية بزعامة اياد علاوي بأكبر عدد مقاعد في الانتخابات ، لكن الرئيس جلال طالباني تلكأ بتكليفه وتدافع أعضاء حزب الدعوة للضغط على رئيس المحكمة الاتحادية لإعادة تفسير المادة الدستورية المادة ٧٣ أولاً والتي تنص
“يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً
من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”.
فما كان من رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود إلا أن رضخ لضغوط صقور الدعوة وعلى رأسهم عبد الحليم الرهيمي وحسن السنيد ، وتم تفسير هذه المادة بالشكل التالي:
يكلف الرئيس مرشح الكتلة الأكبر التي تتشكل بعد الانتخابات . وبالتالي فقدت الانتخابات العراقية روح الفوز الذي تتمتع به هذه الفعالية الديمقراطية الجماهيرية في كل بلدان العالم ، وبقيت فتوى المحمود هي التي تحدد المشهد السياسي بعد كل انتخابات عراقية.
وبقياس الواقع الموضوعي الذي يمر به الفائز في انتخابات عام ٢٠١٨ مع واقع انتخابات عام ٢٠١٠ نجد ان الصدر يتعرض لمثل ما تعرض له علاوي سابقاً .
وباستخدام بعض المتشابهات بين المرحلتين نستنتج ما يلي:
أولاً : عدم الرضا الإيراني من علاوي ، يشبه الى حدٍّ كبير عدم رضا إيراني عن مقتدى الصدر وما وصفه بعض المتخصصين بالشان العراقي من الإيرانيين بالمشاكسة ، فإيران تعد الصدر مشاكسا كبيراً وهذا ما بات جلياً من خلال انتداب بعض رجال الدين لتكفير خطوة مقتدى بتحالفه مع الحزب الشيوعي العراقي وضمه لبعض الشخصيات غير الاسلامية لتحالفه ، وكان كاظم الحائري واضحاً في فتواه بتحريم انتخاب العلماني والشيوعي وان انتمى الى كتلة شيعية ، لكن الصدر مضى قدماً واستند بشكل كبير على من رفضه الايرانيون وكانوا هم إكسير فوزه في الانتخابات.
وبالتالي فإن عدم الرضا الإيراني قد يتحول الى عقوبة على غرار ما قام به “دنائي فر” السفير الإيراني لدى بغداد عام ٢٠١٠ حينما أعلن ان اياد علاوي سيعود طبيبا وليس له نصيب في عالم السياسة. وبالفعل لم يكلف علاوي ،وتم التغرير به بمجلس السياسات العليا وكان أخطأ حينما ساير المالكي لمخالفة دستورية ،الأمر الذي دفع ثمنه غالباً من خلال إبعاده عن رئاسة الوزراء.
ثانياً: التركيبة التي اشتغل معها اياد علاوي في ذلك الوقت لم تكن تنتمي لطائفة واحدة ولا لحزب واحد وإنما اعتمد مبدأ الوطنية في ترشيح أعضاء كتلته ففازت الكتلة وقتذاك في اكثر محافظات العراق، وهذه الحال هي ذاتها التي اعتمد عليها مقتدى الصدر في انتخابات هذا العام. وما سيتم الاشتغال عليه الان اعتماداً على سياقات التحايل السابقة في حال تكرارها .. هو محاولة استدراج أعضاء سائرون للانفصام عن مقتدى الصدر مثلما انفصم أعضاء تكتل علاوي الفائز حينها وأضعفوا كتلته التي كانت صلدة صلبة قبل الانتخابات.
ثالثاً: خروج مقتدى الصدر عن سرب التحالف الوطني وان لم يشترك شيعة السلطة فيما كان يسمى بالتحالف الوطني لكن الضغط الإيراني عام ٢٠١٠ جمع المتفرقين ولَم شملهم ليقدموا للرئيس كتلة كبيرة ومرشحها وفق فتوى المحمود، الأمر كذلك نراه الْيَوْمَ في انتخابات ٢٠١٨ حيث لا تحالف وطني شارك في الانتخابات وعاشت الحالة الشيعية تشظياً قد يسود اطمئنان البعض بأن العامل الخارجي سيجمعهم بعد الانتخابات لأن وظيفة التحالف الوطني هي تشكيل كتلة ترشح رئيس وزراء منها ،وتشكل الحكومة وفق ثلاثية “شيعة+سنة+أكراد” . وهذا الامر كذلك ما زال يرفضه مقتدى الصدر ، ويدعو الى تشكيل حكومة عابرة للطائفية والتحاصص.
رابعاً: العداء مع التيارات المدعومة من قبل إيران ،قد يتشابه به مقتدى الصدر مع اياد علاوي خصوصا في الواقع الموضوعي الذي يرسم المرحلتين الانتخابيتين عامي ٢٠١٠ و ٢٠١٨ حيث ان علاوي كان يرفض تماماً تحديد مساراته السياسية من خلال إيران وكان متشبثاً بمقولة ان العراق يجب ان يقوده العراقيون غير ابهٍ بواقع تبعية تيارات لإيران ، تيارات كانت لها صلات وثيقة بإيران .
و بإسقاط المشهد على ما يجري الآن نجد أن هذه التيارات تعاظمت بعددها ونفوذها كما تعاظمت في تبعيتها لإيران .
الامر الذي لم يخفه مستشار المرشد الإيراني علي اكبر ولايتي حين قال ان ايران تسعى لتقوية نفوذ حلفائها في العراق. هو بلا شك يقصد الأحزاب التي تدعمها الجمهورية الاسلامية في العراق وبالتأكيد هو لا يقصد الحزب الشيوعي العراقي ولا القوى القومية والعلمانية المدنية .
وفِي هذا السياق نجد ان الصدر لا يخفي رفضه لوجود من كانوا تحت عباءته في المشهد السياسي مثل قيس الخزعلي واكرم الكعبي وغيرهم ممن انفصموا من التيار الصدري ، الامر الذي لا يروق للإيرانيين.
اعتماداً على ما تم مقارنته نجد أن الظرف الموضوعي الذي مر به اياد علاوي وتحالفه الفائز عام ٢٠١٠ ، الْيَوْمَ يتم استنساخه ولكن من خلال مقتدى الصدر وتحالفه الفائز في انتخابات ٢٠١٨ .
*رئيس التحرير