CNN: الإنتصار في الموصل قريب جدًا

بغداد – الاعمار
الفتى الصغير الذي يرتدي المعطف الأصفر يركض ويقفز وهو يمسح الغبار عن وجهه. في يده اليمنى قطعة قماش بيضاء تشير الى أنه وعائلته من المدنيين. والداه تعبان ومرهقان من مشقة ترك بيتهما في حي المشيرفة غرب الموصل، لكن ابنهما الصغير لا يستطيع كتم حماسه.
خلفه، يكافح عشرات من الأشخاص أثناء سيرهم على الطريق المغبرة والرياح العاتية وهم يطأطئون رؤوسهم. يحمل فتاً مراهق ببزة حمراء حزمة من الأمتعة على رأسه، وعلى جهته اليسرى تمشي أمه التي ترتدي العباءة الشرعية حاملة حزمة من الأمتعة على رأسها كابنها تماماً. ولكنها وبعد مسافة تقوم بخلع الخمار الذي يفرضه تنظيم داعش على النساء اللواتي يردن الخروج من بيوتهن.
قال رجال الشرطة العراقية، لمراسل قناة CNN بن ويدمان، إن خمسة آلاف مواطن يهربون يومياً من الموصل منذ الجمعة الماضية، أي بعد يوم من بدء القوات العراقية عملياتها التي أملت أن تكون الأخيرة لدفع داعش خارج المنطقة.
من الصعب التكلم طويلاً مع الأشخاص الذين يهربون من الموصل لكونهم على عجلة من أمرهم وقد أرهقهم المشي لساعات.
“لينقذنا الله من تلك العصابة النتنة.. لقد دمروا كل ما يعني “حياة”. لقد دمروا العلم والثقافة.. لم تبق مدرسة ولا عمل لكسب قوت اليوم.” هذا ما قاله لي أبو حسين صاحب الصوت الأجش واللحية الرمادية المغطاة بالغبار البرتقالي.
لم تتربص الرياح المغبرة بنوم الطفلة مريم صاحبة الثلاثة أعوام.
“لا تقلق فهي بخير” قال عمها المبتسم، والفَرِح لخروجه من المدينة. العم رفض الإفصاح عن اسمه كالكثيرين لخوفهم على أرواح أهلهم العالقين في الموصل. “هي من عائلة ميسورة، لهذا لم تذق سابقا طعم العناء.” قال عمها الذي وصف الموصل تحت سلطة داعش بـ”الموت الأحمر.”
حمل عدد من الجنود العراقيين العزل الأطفال الذين أتعبهم السفر، كما قام البعض بتقبيلهم وضمهم. صرخ أحد الفارين من المدينة بالجنود قائلاً “دمرونا”، بإشارة منه إلى داعش.
“لا يوجد سكان في تلك المنطقة” قال لي الرائد مصطفى العزاوي أثناء إصدار الأوامر للرجال عبر اللاسلكي.
أقوم باستعارة منظار أحد الجنود لإلقاء نظرة عن كثب، وحين أدقق النظر، أرى نيراناً مشتعلة وسحابة من الدخان المتصاعد من الحي الذي يبعد 400 متر عن موقعنا. هي مركبة تحمل جهازاً متفجراً.
العربات المفخخة هي الأجهزة التي يفضلها تنظيم داعش، ولكن الجيش العراقي طبعا لا يستخدم أسلحة مماثلة.
في الليلة الماضية، قال الفريق الركن قاسم نزال، قائد الفرقة المدرعة التاسعة في الجيش العراقي، إنه أثناء الـ72 ساعة الأولى من العملية، قام داعش بإرسال 20 مركبة مفخخة ولكن معظمها لم يستطيع الوصول إلى القوات العراقية، لكون مجموعة من الضباط العراقيين والمستشارين الأمريكيين الجالسين على الأرائك حول تلفاز كبير يقومون بتوجيه الطائرات بدون طيار للكشف عن أي شيء مشبوه في المنطقة.
يركز المقدم جيم برونيج، القيادي في الوحدة 82 المنقولة جوا بالجيش الأمريكي على التلفاز، حاملاً بيده الهاتف.
العقيد موجود في العراق منذ بداية السنة وكان جزءا من المعركة لتحرير شرقي الموصل وهو منشغل الآن بالجهة الغربية من المنطقة.
“منذ بداية العام، أصبح هناك تغيرات مهمة في طريقة تعامل الولايات المتحدة وقوات التحالف مع القصف” قال العقيد برونيج. “ففي الماضي، قبل إطلاق الصواريخ، كان يجب المرور بأعلى سلسلة القيادة للموافقة قبل القصف.” وكان هذا الأمر يستهلك وقتاً كبيراً، كما أنه كان محبطاً للقوات على الأرض.
كنت واقفاً على تلة مع القوات الكردية في فبراير/شباط 2015، ولم يكن القائد سعيدا. “عندما نرى هدفاً، مثل سيارة داعش، نقوم بالاتصال بقوات الائتلاف لقصف الهدف. أما مع الأمريكيين فعلى الطلب أن يذهب الى المحامي وكل كبار القادة. وفي أثناء اتخاذ القرار يكون الهدف قد ذهب.”
”ولكن كل هذا تغيّر “قال القائد برونيغ، “كل ما يتطلبه الأمر هو أن أرى الهدف مع شريكي العراقي، لنتوصل الى نتيجة.. نعم هذا هو العدو، دعونا نقصف الآن وبسرعة.”
عندما أسأل الفريق الركن قاسم نزال متى سيستطيع العراق إعلان الانتصار في الموصل، يقول “الجداول الزمنية في الحروب التقليدية ممكنة، ولكن حرب العصابات هذه مع الأعداء المدربين الذين يستخدمون القناصين، والفخاخ المتفجرة والقنابل تبقى غير متوقعة.”
المزيد من القنابل تتفجر بقربنا. ”الجأ للاحتماء في هذا المنزل!“ يصرخ أحدهم: هنا نستطيع رؤية الانتصار.