الصناديق.. حل أم مشكلة؟
جمال جصاني
هذه هي الدورة الرابعة التي يشارك فيها العراقيون، بعد زوال النظام الدكتاتوري المباد؛ لانتخاب أعلى سلطة تشريعية ورقابية لبلدهم (مجلس النواب)، وبدلاً من أن تنتج لهم حلولاً وسبلاً للارتقاء بحالهم وأحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نجدها (النتائج التي أعلنت عنها المفوضية) قد فاقمت لهم أوضاعهم المعقدة أصلاً، وهذا ما لا ينسجم ووظائف النظام الديمقراطي ووسيلته الأساس “صناديق الاقتراع” والذي ارتقى بالمجتمعات والبلدان التي استعانت به الى ذرى لم تحلم بها من قبل. هذه المفارقة تدعونا الى إعادة النظر بما حصل ويحصل لنا معها “الصناديق” للكشف عن الخلل والعيوب التي حولت من كانت حلاً ناجعا ومجرباً لفك الاشتباكات؛ الى مشكلة تزيد المشهد عسراً وتعقيداً، كما حصل في الدورات السابقة وازداد شدة في الدورة الأخيرة التي لم تنتهي تداعياتها الى يومنا هذا، حيث سارع مجلس الوزراء الى تشكيل لجنة تحقيقية عليا، لتقصي الحقائق في هذا المجال، كذلك قرر مجلس النواب الحالي بجلسته الاستثنائية الأخيرة؛ إلغاء نتائج انتخابات الخارج ومحطات اقتراع مخيمات النازحين، وإعادة عد وفرز قرابة 10% من نتائج الانتخابات. مثل هذه التطورات والمواقف ترسم لنا ملامح المرحلة المقبلة، والصعوبات التي ستواجهنا مع تحديات ما يفترض أنها مرحلة لإعمار العراق وإعادة بنائه.
ما نضح عن تجربتنا الأخيرة مع الصناديق (انتخابات 12/5/2018) يؤكد وبما لا يقبل الشك، على حقيقة أننا بضيق أفق الطبقة السياسية الحاكمة وشراهتها، قد شوهنا التجربة الديمقراطية وصناديقها، بعد أن تم تحويرها وبما يتفق وقياسات مكوناتها من كتل “الهويات القاتلة”. لقد أجمعوا جميعاً ومن دون استثناء، وبإصرار عجيب على عدم وضع قوانين وتشريعات تؤسس لولادة أحزاب وتنظيمات تعتمد الهوية الوطنية (العراقية) والحضارية، وعرقلة أي مسعى لتأسيس هيئات مهنية ومستقلة، بما في ذلك المفوضية المسؤولة عن إجراء الانتخابات، التي تحولت الى إقطاعيات خاصة بهم، وغير ذلك من المواقف والقرارات البعيدة عن المصالح الوطنية العليا، والتي شوهت في نهاية المطاف وحرفت الصناديق عن سبيلها الطبيعي في الانتصار لقضايا الحرية والكرامة والأمن وازدهار المجتمعات والدول.
إن الحديث عن إصلاحات وتحولات حقيقية في ظل بقاء النظام الانتخابي وتشريعاته وشبكاته الراكدة على ماهي عليه، لن يكون إلا استمراراً لهدر الفرص والإمكانات المتواصل طوال أكثر من خمس عشرة سنة، على ما يفترض أنها مرحلة للتحول صوب الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة الحديثة. وما الموقف الذي نعيشه حالياً مع ما تمخضت عنه آخر انتخابات وأسوأ نسخة عرفناها مقارنة مع سابقاتها، إلا دليلاً قاطعاً على ضرورة تغيير قواعد هذه اللعبة، وإعادة تأسيها على أسس تضع نصب عينيها مهمة استرداد العراقيين لهويتهم الوطنية ومؤسساتهم وتنظيماتهم، التي تعيد اليهم حيويتهم وتبرز لأنفسهم وللعالم أجمع أفضل وأجمل ما يمتلكون من مواهب وقيم وملاكات وإمكانات وشيم وخصال، لا كما حصل حتى هذه اللحظة، عندما شرعت الأبواب أمام المخلوقات والجماعات الضد كي تتسلل الى سنام المفاصل الحيوية للمجتمع والدولة. لقد قلنا وكتبنا مراراً عن شروط هذه المرحلة وما تحتاجه الصناديق كي تمنحنا أفضل ما لديها، لكن مشيئة حيتان وقوارض البرك الراكدة، كان لها رأي آخر دفع بالصناديق الى منحى آخر، تحولت فيه من حل الى مشكلة سنواجهها مع كل موسم انتخابي..!