الإنتخابات وسباق الائتلافات!

د. مهندالبراك
جرت انتخابات 2018 كالانتخابات السابقة . . بعد تصاعد و توسع الاحتجاجات المتواصلة على قوانينها و أسلوبها و على توقعات التهديدات و أعمال الغش من الكتل الحاكمة في اجرائها، من قبل قوى المعارضة و من قبل عدد من الكتل الحاكمة و المتنفذة، و بعد تصاعد الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد من أقصاها الى أقصاها مطالبة بالدولة المدنية اللاطائفية و الاصلاح و تحقيق مطالب الشعب اليومية، و محاربة الفساد و معاقبة كبار الفاسدين، و التي وصلت الى حد الانتفاضة المدنية التي ساد فيها هتاف ” باسم الدين باكونا الحرامية ” . .
وسط ملاحظة المراقبين و المتابعين، الى أن التحضير لها حفِل بالتهجمات و التشويهات السياسية و الاجتماعية، و الى حالة شبه الفزع من تلاقي قوى سياسية مدنية في مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، مع التيار الاسلامي الشيعي الاكثر شعبية ” تيار الصدر” بقائمة ” سائرون “، الأمر الذي شهد تصاعد تهديدات من قوى حاكمة عبّر فيها المالكي أمين عام حزب الدعوة الحاكم، في مقابلة تلفزيونية عن احتمال نشوب حرب أهلية إن لم تكن نتائجها ترضي الأطراف الخاسرة، بلا شعور بابسط مسؤولية فيما يقول و هو نائب رئيس الجمهورية، كما سيأتي.
إضافة الى تصاعد تهديدات دوائر إيرانية عبّر عنها مسؤولون ايرانيون كبار بكون القوى المدنية معادية للدين و فرائضه ؟؟! و نشطت في دعم المستندين على الدعم الإيراني، بين حملاتها الاعلانية و تحشيداتها لـ (ضمان) فوزهم و بين هجومها على قائمة ” سائرون ” الانتخابية.
في وقت صدر فيه بيان المرجع الشيعي الاعلى السيد السيستاني، دعا فيه الى اختيار العناصر النظيفة النزيهة و ذات الكفاءة الوظيفية، و عدم انتخاب الفاسدين و المشكوك بأمرهم، مطالباً بتشكيل حكومة ذات برنامج عملي واقعي للاصلاح بعيداً عن التدخلات الخارجية، حكومة تحقق الرفاه للشعب و تحارب الفساد و الطائفية و تمتلك وحدها الحق بالسلاح، مشيراُ الى عدم صلاحية استخدام المرجعيات الدينية لتحقيق فوز أو مكسب فردي أو جهوي لحكم البلاد التي تعيش الفقر و ويلات خراب الحروب، داعياً الى احترام حرية و حق الفرد بالمشاركة في الانتخابات من عدمها.
و قد صعق الحاكمون عند اعلان النتائج في الانتخابات بعد ان عزف عنها كثيرون ليأسهم من إمكانية التخلي عن محاصصة الحكام (المفروضة) و غير المجدية و يأسهم مما يخططون، فيما شارك فيها اكثر من 44 % ممن يحق لهم التصويت، و كان في مقدمة فائزيها، تحالف “سائرون ” الصدري ـ الشيوعي و المدني . . و ترى أوساط واسعة إن النتائج لم تكن متوقعة لمن لم يعش او حتى لم يلحظ المعاناة و الرفض العام لما يجري و لإنحسار دور الطائفية و عدم جدوى المحاصصة الطائفية و خاصة إثر انفضاض تماسك فكرة ” البيت الشيعي ” و ألوهية القرارات بعد ماجُرِّب اصحابها و هم في السلطة و الحكم، و أساءوا لأوسع الأوساط الشيعية . .
و فيما تسببت الحياة المزرية التي تعيشها أوسع الأوساط الشعبية الشيعية و السنّية و الكردية، بتشظي الكتل الحاكمة لفشلها بالحكم، و سعت الأوساط الأطول تحملاً الى المشاركة في توظيف الإنتخابات لإيجاد حلول سريعة لمشاكل المواطن المتفاقمة و ليس للتخندقات الطائفية، و من أجل نظام حكم يشجّع الدول و الإتحادات الإقليمية و الدولية للإستثمار في البلاد من أجل إعادة بنائها شعباً و عمراناً. تحرّكت الدوائر الإيرانية المذكورة آنفاً باسلوب جديد، شمل تهاني الفائزين من جهة، و التحرّك سريعاً لقطع الطريق على وجهة استقلال القرار العراقي و على إلغاء المحاصصة الطائفية الاثنية، بتقدير مراقبين محايدين.
فيما يلاحظ آخرون تصاعد حنق و حقد الكتل التي خسرت و من خسر منها، تجلىّ ذلك علناً باشكال متنوعة، من النشاط لمحاولة إبطال الانتخابات الى تهديد الفائزين الجدد، و الى حملات اعتقالات شملت الناشطين المدنيين، إضافة الى انواع التحريضات بالاعتداء عليهم و على احزابهم، التي ادّت الى مقتل و جرح عدد من المواطنين في “الشعلة” بمفخخة، و الى رمي قنبلة محليّة الصنع في حديقة المقر المركزي للحزب الشيوعي العراقي التي لم تتسبب بخسائر بالأرواح وفق بيان المكتب السياسي للحزب، ولايستبعد كثيرون الدور التحريضي ان لم يكن أكثر لجماعات المالكي ومن معه، ابتداءً من تصريحاته آنفة الذكر، ناسين او غير واعين الى أن الغدر و العنف السياسي، لايزيد أصحاب الحق و الحقوق الاّ صلابة و اصراراً، كما اثبتت و تثبت الأحداث في البلاد .
و تشير أوساط آخرى الى معاني طروحات السفير الايراني الجنرال مسجدي التي دعى فيها الى التريث في تشكيل الحكومة، وسط محاولات تتطلب وقتاً بين الاغراءات و الترهيب للجهات الإيرانية للتأثير على وجهة الإئتلافات و الحفاظ على المحاصصة الطائفية المقيتة و الوقوف بوجه تشكيل حكومة مدنية تحارب الفساد و تقوم على أساس استقلال القرار العراقي و النزاهة و الكفاءة و المواطنة، التي يجري التحرك سريعاً لتشكيلها من القوائم الفائزة، في وقت تواجه فيه الحكومة الإيرانية صعوبات جمّة في حروبها التي تزج في آتونها شعبها الذي لاناقة له فيها و لاجمل، تهددها مالياً و موارد .
في وقت بدأ فيه تشكيل الإئتلافات المتحرّك الصاعد النازل سريعاً الآن، المؤمل أن يجري باتجاه قيامه على أساس البرامج و الخطط الواقعية بدلاً من الاساس التحاصصي الطائفي و الفرض و التهديد، و على أساس سمعة الأفراد و من جُرّب منهم، أمام تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية على مشاكل الكهرباء، التي بدأت في كربلاء و أخذت تجتاح البلاد الآن.
في وقت تدعو فيه أوسع الأوساط المثقفة و الأكثر وعياً، الى الضرورة القصوى لإعادة النظر بالعملية السياسية التحاصصية على أساس الإنتماء الوطني و الكفاءة، إثر تزايد الصعوبات و أعباء الحياة، و تزايد الوعي بضرورات التغيير بعد الانحدار الكبير الذي وصلت إليه العملية السياسية و النكبات والمهازل والفضائح التي رافقت مسيرتها، التي يدفع أثمانها الشعب و خاصة الطبقات الأكثر فقراً منه.