بعد دحر “داعش”.. دعوات لجعل الأنبار العراقية عاصمة سياحية

بغداد – الاعمار
رغم الدمار الكبير الذي لحق بمحافظة الأنبار غربي العراق جراء العمليات العسكرية بين القوات الأمنيّة من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى، لا تزال المحافظة تتمتّع بقوة اقتصادية كبيرة تتمثّل في السياحة والعديد من المناطق الحيوية.
وتتمتّع الأنبار بموقع استراتيجي مهمّ يؤهّلها لأن تكون واحدة من أفضل المدن السياحية الكبرى في البلاد.
تُعدّ الأنبار واحدة من أكبر محافظات العراق مساحة، وتربط العراق بكلٍّ من السعودية وسوريا والأردن، غرباً، وتقع على ضفاف نهر الفرات وتنتشر على ضفافه وسائل ريّ تمتاز عن غيرها من مدن البلاد، فضلاً عن المعالم الدينية والأثرية التي يعود تاريخها لآلاف السنين، وهو ما دفع أهلها للمطالبة بجعلها مدينة سياحية جاذبة للسياح من كل مكان.
وتنتشر على ضفاف المحافظة وسائل ريّ تمتاز بها مدن “هيت وحديثة وعنة القديمة وراوة وحصيبة”، دون مدن الفرات الأخرى أو حتى نهر دجلة؛ وهي النواعير التي ما يزال بعضها يروي المزارع والبساتين، وتسقي مياه الفرات جميع الأراضي حتى الهندية جنوب بغداد، لتروي المزيد من أراضي بلاد الرافدين.
في مدينة عنة الواقعة غرب الأنبار توجد عدة آثار إسلامية، منها ما يقع في جزيرة تُدعى “الباد”، وفيها آثار منارة تبرز بين أطلال ديار قديمة، وهي مثمّنة المظهر عرضها خمسة أمتار، وتغطيها مشكاوات (قطع أثرية) محاطة بأطر مستطيلة، وهذه المنارة فريدة في شكلها ويُعتقد أنها تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
وفي مناطق حديثة وراوة والقائم والبغدادي وهيت الواقعة غربي المحافظة، تنتشر على ضفاف نهر الفرات عشرات النواعير التي تمتاز بمناظرها الجميلة، رغم اندثارها بسبب انحسار المياه في نهر الفرات نتيجة إنشاء سدّ القادسية.
لكن أهالي الأنبار أصرّوا على إحياء هذا التراث وأعادوا 20 ناعوراً (النَّاعورُ هو دلو خشبي تُسقى من خلاله الأراضي المرتفعة) إلى العمل من جديد في منطقة حديثة، و5 نواعير في مدينة بروانة والشاغوفة، إحدى أهم وأكبر النواعير في مدينة هيت.
وفي مدينة حديثة أيضاً توجد “عيون حجلان”، التي تُعدّ إحدى أشهر عيون المياه الطبيعية التي تمتاز بمياهها الكبريتية الطبيعية، إذ يقصدها عشرات السياح والمصابين بالأمراض الجلدية لغرض العلاج يومياً، وتخرج مياهها من باطن الأرض بين الصخور في منطقة شبه جبلية وعرة.
ويقصد تلك المناطق المصوّرون المحترفون والكُتّاب والشعراء والرسّامون لتوثيق لحظاتهم والتقاط الصور مع أصدقائهم وزملائهم، ولذلك لمنظرها الخلاب في المنطقة.
ورغم كل هذه المعالم الأثرية والتراثية في المحافظة فإن الإهمال الحكومي واضح جداً في جميع تلك المناطق.
واشتكى مدير ناحية البغدادي في محافظة الأنبار، شرحبيل العبيدي، من إهمال وتقصير الحكومة في استغلال المناطق الطبيعية في السياحة وإنشاء المنتجعات والمواقع الترفيهية في محاور ووسط ناحية البغدادي، وربما تكون مصدر دخل مهمّاً للمحافظة والبلاد جميعاً في ظلّ التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.
العبيدي قال في تصريح صحفي: إن “ناحية البغدادي التابعة لقضاء هيت (70 كم غرب الأنبار) تُعرف بالطبيعة الخلابة ووجود نهر الفرات في محيطها، مع انتشار البساتين والجبال التي تقع في جهتها الجنوبية، لكن لم تُستغلّ في إنشاء مواقع سياحية ترفيهية من قبل الجهات الحكومية”.
وأضاف المسؤول الحكومي: “توجد في البغدادي جزر كبيرة وسط نهر الفرات، مع وجود معالم تاريخية وكهوف تعود لعصور قديمة استخدمها الجيش العثماني آنذاك، وتشير بعض الروايات إلى أنه استخدمها في التدريب والاختباء، مع وجود معالم إسلامية ومراقد دينية أيضاً”.
وأشار العبيدي إلى أن مدينة البغدادي لم يسيطر عليها تنظيم “داعش”، لكنها تعرّضت أيضاً للإهمال الحكومي رغم صمود أهلها بوجه الإرهاب، حيث تحتاج الناحية لجهود ودعم متواصل للتأهيل وإعادة الخدمات والمشاريع إليها، وإنشاء منتجعات سياحية ترفد القطاع الخاص والعام بدخل جيد لا يُستهان به، مع تشغيل الأيدي العاملة من العاطلين عن العمل.
وتابع العبيدي قائلاً: إن “مواقع ناحية البغدادي لو استُثمرت بشكل جيد وضمن تخطيط ودراسات متطوّرة فستكون خلال أقلّ من ثلاث سنوات عاصمة العراق السياحية والثقافية؛ لما فيها من مناظر طبيعية خلابة ومناطقة تراثية وحيويّة، مع إعادة تأهيل النواعير التي دُمّرت جراء عدم تأهيلها والاهتمام بها خلال السنوات الماضية”.
من جهته قال النائب عن محافظة الأنبار، غازي الكعود: إن “محافظة الأنبار من أكثر محافظات العراق المؤهّلة لأن تكون عاصمة العراق السياحية؛ وذلك لما تتمتَّع به من موقع استراتيجي مهمّ، ووجود مناطق سياحية كبحيرة الحبانية والرزازة، والنواعير والكهوف التي تعود إلى حقبة العثمانيين، والنواعير الأثرية”.
وأضاف الكعود: إن “محافظة الأنبار تمتلك مساحات صحراوية كبيرة جداً، وأودية ومرتفعات ومناطق خلابة تقع على ضفاف نهر الفرات يصل ارتفاعها إلى نحو 800 متر، يمكن استغلالها في بناء مدينة وفنادق ومطاعم سياحية”.
وحول هذا الموضوع قال الخبير الاقتصادي في مجال السياحة، ضياء العيساوي: إن “كثيراً من المناطق السياحية المهمّة لفّها النسيان وتحوّلت إلى مناطق مهجورة بسبب الإهمال الحكومي”.
وأضاف: إن “المناطق الصحرواية لو استُغلّت بصورة صحيحة لأصبحت مورداً مالياً يوازي القطاع الزراعي والنفطي”.
ولفت إلى أن “محافظة الأنبار بعد القضاء على تنظيم داعش أصبحت اليوم واحدة من أكثر المناطق أمناً في العراق، وبالإمكان استغلالها واستثمارها لأهداف اقتصادية وثقافية وتراثية، كما أن تشجيع الشركات الأجنبية والقطاع الخاص على الاستثمار في السياحة سيؤدّي إلى تأهيل الشوارع والأسواق وتحويلها إلى مناطق جذب سياحي شبيهة بتلك الموجودة في إسطنبول وبيروت”.
يُشار إلى أن جميع المناطق التراثية والأثرية في العراق عموماً، والأنبار خصوصاً، قد تأثّرت بشكل كبير جراء العمليات العسكرية بعد عام 2003، وما تلاه من حروب ومعارك شهدتها المحافظة، كانت آخرها الحرب ضد تنظيم “داعش”، وانشغال الحكومة العراقية عنها وإهمالها مثلما أهملت جميع المرافق الحيوية الأخرى، وهي بحاجة إلى جهود كبيرة كي تعود لها الحياة من جديد.