هل العراق دولة؟
محمد السيد محسن*
في الثالث من تشرين الاول عام 1932 سجل العراق دولة حينما تم تسجيله الدولة رقم 67 في عصبة الامم ومنذ ذلك الوقت اصبح العراق دولة.
ولم يكن العراق وقتذاك قد تمكن من قرار سيادته بعد؛ حيث استطاعت بريطانيا تمديد الاتفاقية العراقية البريطانية 25 عامًا إضافيًا إلى أن يتمكن العراق من إدارة نفسه بشكل ذاتي. الأمر الذي أزعج العراقيين حكومةً وشعبًا، وبالفعل بقي البريطانيون حتى جاء يوم الجلاء بإنقلاب عسكري قادهُ مجموعة من ضباط الجيش العراق الذين تدرَّبوا ودرسوا العلوم العسكرية على يد الإنكليز.
وتداولت على العراق حكومات إنقلابية متعددة حتى تم إحتلال البلاد عام 2003 من قبل قوات أمريكية وبريطانية بمساعدة خجولة من قوات اسبانية وإيطالية وبولندية.
حينها ضاعت ملامح الدولة وعادت الأمور إلى مجلس مدني يقاد من قبل حاكم مدني أمريكي له سلطة قرار تعادل سلطة العراقيين المكونين لمجلس الحكم وهم 25 عراقيًا.
لماذا نقول ضاعت ملامح الدولة؟ لأن الدولة وفق المعطيات المنطقية تساوي القرار، فلا معنى لدولة لا تمتلك قرارًا. الأحرى أن يكون صاحب القرار هو الممثل للدولة والقائد الفعلي لها على إعتبار أن الدولة تتشكل من شعب يقطن في بقعة محددة من الأرض تقودها هيأة حكومية تدير أمور البلاد وفق أنظمة متعددة للإدارة. أحيانًا يكون هناك مجلس لظرف إستثنائي وفي أحيان أُخرى يكون هناك تشكيل حكومي من مجموعة سلطات تنبثق ديمقراطيًا.
بغض النظر عن شكل هذه الهيئات الحكومية فإنها أحيانًا لا تؤثر على شكل الدولة شرط أن يكون القرار من داخل الحدود وليس من ورائها.
قد يقول قائل أن كل الدول لا تتمتع الآن بهذه الميزة، لكننا نقول إن القرار في الدولة يبقى محدودًا بالهيئات المتفق عليها وفق وثيقة دستورية لا يتم التجاوز عليها. أما في الأنظمة الثورية التي تقودها مجالس ثورية كمجلس قيادة الثورة أو مجلس حكم فإن مسمى الدولة باقٍ لأن القرار باقٍ في تلك الدولة.
بما أننا وصلنا للقرار دعونا نطبق هذه النظرية على العراق ونتساءل:
من يمتلك القرار في العراق؟
هل يمتلكه صاحب القرار؟
هل يستطيع القرار الحكومي أن يسري على الجميع؟
هل هناك دولة موازية في العراق؟
للأسف فإن المعطيات التي نستحصلها عند الإجابة على هذه الأسئلة لن تكون لصالح الدولة.
عديدون يمتلكون القرار في العراق وينازعون أصحاب القرار الفعلي والرسمي صلاحياته. وأزعم أن تصريح أبو مهدي المهندس الأخير حول تراخي الحكومة والتباهي بقدرة الحشد الشعبي على إحداث متغيرات في البلاد وتحديه الواضح للسلطة التنفيذية والتشريعية خير دليل على تشظي سلطة القرار في العراق.
ومن يمتلك القرار الشرعي في العراق لا يستطيع أن يقول لمنازعيه أنهم يسلبون حق القرار وحقوق المنصب. ومثالي في ذلك الصمت الحكومي لمجمل التصريحات التي تنطلق من هنا وهناك بما يتعلق بأحداث سيادية نرى أن الحكومة غير قادرة على أن تعطي رأيًا واضحًا لأنها تعلم تمامًا بأن رأيها لن يغير من قناعات وتوجهات ومشاريع من ينازعونها بسلطة القرار.
والطامة الكبرى هو وجود أكثر من سلطة تنفيذية في العراق وأكثر من سلطة تشريعية أيضًا.
حيث نرى أن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري له سجونه الخاصة، والأمر يشمل كافة الأحزاب والتنظيمات المسلحة المنضوية تحت خيمة الحشد الشعبي وغيرها.
كما أن في العراق أحزابًا لها سلاحها الخاص ومخازنها الخاصة وليس هناك قدرة لصاحب قرار على ان يردعها، ويمكن ان نرى مثالا ان نائب رئيس الوزراء في العراق يتم حبسه في دار مواطن عراقي ويؤمر من قبل صاحب الدار بالانسحاب من وظيفته الحكومية وترك منصبه الحكومي. ومثال ذلك ما جرى مع بهاء الاعرجي وحبسه في دار السيد مقتدى الصدر.
كما اننا نرى ان اشخاصا لا يوجد لهم اي وظيفة حكومية، هم الان يقودون المشهد السياسي العراقي ودليلنا في ذلك مثالا عمار الحكيم والصدر والخزعلي والكعبي زعيم النجباء.
وباستطاعة المتابعين لبرامج وتصريحات الطبقة السياسية بعد 2003 ان يتعرفوا على مصطلح جديد ساقه وسوق له الامريكان في العراق يدحض نظرية الدولة والقدرة على تطبيقها وهو “POLITICAL PROCESS” العملية السياسية، فترى ان السياسيين عاشوا هذا الدور – ان لم يكن بعضهم حريصا على ان يجاري الامريكان في تضيع ملامح الدولة – لذا فانه يقول : العملية السياسية بدل الدولة ويصف المعارضين لحكمه بالمعارضين للعملية السياسية، ويدعي ان العملية السياسية تسير على خير ما يرام ولا يقول ان الدولة بخير.
كل هذه الامثلة تدل على ان القرار في العراق لا يساوي الدولة وفق الحسابات الرياضية، الامر الذي يدفعنا ان نجيب على عنوان المقال: العراق “مو” دولة.
*رئيس التحرير