التزوير.. الانتخابات.. المحاصصة.. الفساد

عادل عبد المهدي
عندما تُعطل القوانين وتصبح الاوامر الوزارية والديوانية والقرارات المتعجلة هي الحاكمة، وعندما يصبح الاستجواب محاكم تفتيش يسهل فيها الابتزاز.. وعندما تباع المناصب باموال طائلة، ويصبح الحصول على مقعد برلماني مسألة حياة او موت تدفع فيه اثمان باهضة، ويستخدم بها السلاح، يصبح التزوير والمحاصصة والفساد من اليات عمل النظام التي يصعب معالجتها ما لم يعاد للنظام صرامة تطبيق دستوره وقوانينه وضوابطه. كتبت مراراً، واعيد الان نشر مقتطفات من افتتاحيتي “المحاصصة سرطان يجب استئصاله”، و”المحاصصة والفساد علة ونتيجة، ام شيء اخر” في (13/4/2011) و(13/6/ 2016) على التوالي:
جاءت [“المحاصصة كرد فعل على التفرد والاحادية.. فزيدت اول وزارة لـ”مجلس الحكم” الى 25 بدل 23.. ليختار كل عضو وزيراً يمثله بانتماءاته المعروفة.. وسرت للوكلاء والهيئات والسفراء والقضاة والجيش والموظفين. فالمحاصصة بدأت نبيلة، واستهدفت التمثيل الاوسع، لكنها افرزت واحدة من المظاهر السلبية والخطيرة للاستحواذ على المواقع على حساب الكفاءة وحقوق المواطنين. فرغم المبررات الاولى، لكنها اليوم سرطان يجب استئصاله.
ساعدت المحاصصة احياناً بدفع التصادم الاجتماعي، رغم استمرارها في فرز سلبياتها. فارتفع عدد الوزارات الى اكثر من 43.. ونواب رئيس الجمهورية الى ثلاثة، ومثلهم لرئيس الوزراء.. وكذلك عدد الوكلاء والمستشارين والملاكات العليا.. ومعظمها بهدف الارضاء.. وقادت المحاصصة الى تعطيل اي تصويت دستوري على الدرجات الخاصة، لعدم تحقق شروط الصفقات اللازمة.. فصار الاساس التنصيب بالوكالة.. وامتدت المحاصصة للملاكات الادنى وقادت الى ممارسات ضارة في تردي الكفاءة وفي التوسط والتودد الى اصحاب القرار والقوى السياسية، فحجز طريق المواطنين الذين لا يجيدون هذا الفن او الذين لا حزب لهم. كما قادت المحاصصة لتعينات مفروضة، ترافق مجيء هذا المسؤول، لتليها اعفاءات مربكة مع اول تغيير، وهو ما زاد المشاحنات والكيديات وتعطل الاعمال. فساحة الاحزاب يجب ان تنحصر بالبرلمان والقمم العليا للحكومة، وهي حصراً المواقع التي تستحدثها الانتخابات او يتم تداولها بسببها.. اما الدولة بنظام خدمتها وامنها وقضاءها فلابد من حمايتها من اية محاصصة.. ومن اي احتكار او تمييز.”]
[“المحاصصة هي تقاسم احزاب وجماعات محددة مواقع الدولة من ابسط موقع الى اعلاه.. بل وتقاسم المجتمع مناطقياً واجتماعياً واقتصادياً، والتحكم بحياة الناس. فلا تعتبر محاصصة حكم حزب او ائتلاف احزاب.. فهذه ممارسة ديمقراطية لا غبار عليها، ما دام الحزب او الائتلافات تحترم مساحاتها المخصصة حصراً في البرلمان والحكومة والعمل السياسي، وتحترم حرية الانتخابات ونزاهتها وتداول السلطة والفصل بين السلطات.
الفساد اكثر من السرقة بمعناها المعروف.. الفساد ظاهرة اجتماعية ادارية بنيوية مفاهيمية، تضيع فيها الحدود الفاصلة بين الحقوق والواجبات والمسؤوليات والحقائق. فيصبح الفاسد مصلحاً والمصلح فاسداً، والصواب خطأ والخطأ صواباً.. فلا يميز الناس والعاملون بين ما لهم وما عليهم. انه الدولة المترهلة، مقابل عمل لا يعادل 17 دقيقة يوم/فرد، تقابلهم اعداد مماثلة من العاطلين لانهيار النشاطات.. انه الفضائيون والمطلبيات والموارد غير المبررة.. انه الانفاق والعقود المضخمة بعشرات المرات، عن كلفها الحقيقية.. انه المشاريع غير المنجزة، والبالغة قيمتها في 2015، حوالي 300 مليار دولار.. انه الرواتب والامتيازات المفرطة للمسؤولين والهدر العام للاموال والموجودات.. انه التشريعات المتضادة والمتراكمة من عهود المركزية والاستبداد والاقتصاد الموجه، والدعاوى الكيدية والتي تسمح بتبرأة المجرمين وادانة الابرياء.. انه الاحباط الذي يشعر به المخلصون الذين يقومون بواجباتهم بهمة وابداع، ليُلاحَقوا لاخطاء تافهة تلازم كل عمل.. انه “الاقطاعات الادارية” والشبكات المستفيدة داخل الدولة وخارجها، والبارعة في الغش والتزوير والرشاوي، وتكييف اوضاعها ومعاملاتها مع كل غهد وتغيير.. ليتحول الانتهازيون الى شرفاء والشرفاء والمضحون الى انتهازيين.. انه تعطيل التجديد والابداع والمشاريع المثمرة والناجحة، مما يفقد البلاد فرص التقدم والمكاسب والارباح…. انه ضعف الحوكمة والعصرنة والنظم الالكترونية.. انه سرعة تقلب التعليمات، وعدم تعريف وتطبيق شروط كل واجب وعمل وحق ليعرف اصحاب العلاقة ما لهم وما عليهم.. انه باختصار فساد نظام ومنظومات ومفاهيم يقود لفساد الدولة والمجتمع والافراد.”]