لماذا تكره إيران العبادي؟

محمد الوزان
اثار انتباهي التصريح الاخير لابي مهد المهندس نائب قائد الحشد الشعبي والمطلوب قضائيا بتهم ارهاب دولية , حيث ان اقل ما يقال في تصريحاته حول مقارنة نجاح قوات الحشد ميدانيا مقابل فشل الحكومة في ادائها . وغمزه من قناة رئيس الوزراء حيدر العبادي اكثر من مرة , اقل ما يقال عن تلك التصريحات ان ثمة معادلة غير متوازنة بين الخط الايراني في العراق والعبادي.
نحن نعلم تماما ان ما يجري من تسقيط سياسي لعبادي من قبل اذرع ايران في العراق مرده عدم قبول الكتل السياسية باي مرشح ايراني لتولي منصب رئاسة الوزراء في العراق , وان كل هذا التسقيط ومحاولة تشويه صورة العبادي مرده الى ان المباحثات لم تنضج بعد. حيث تشير كل الاحصائيات والمعلومات ان ايران هزمت بالانتخابات العراقية, وان خيار العراقين بات لا يتوائم مع التقليديات الايرانية التي كررتها في قيادة المشهد السياسي العراقي على مر الاعوام السابقة.
كما اننا لسنا بصدد الدفاع عن العبادي الذي هو نتاج حزب الدعوة وهوالحزب الذي بات يرعى من قبل ايران الجارة على الرغم من مشكلاتها معه طيلة فترة معارضته لنظام صدام حسين , الا ان المشهد العراقي الحالي اي مشهد ما بعد اعلان نتائج الانتخابات وضع الايرانيين في حرج كبير لانهم غير قادرين على تغيير المعادلة التقليدية التي يجب ان تسود حسب اعتقادهم.
الامر الذي جعلهم يتخبطون ويحركون اقلامهم من الخارج والداخل لاستهداف منافسيهم في تيارات اسلامية وشيعية بل وتحت فضاء التحالف الوطني .
الايرانيون يعلمون تماما ان الامريكان يسعون بشكل جدي لفرض العبادي لدورة رئاسة وزراء ثانية وهم بالتالي يلعبون لعبة لي الاذرع من اجل تعطيل مهمة العبادي وتنفيذ السعي الامريكي ونجاحه في فرض ارادة امريكية عليهم في العراق , وعليه فان العبادي بات هو فرس الرهان والضحية في نفس الوقت ما بين الايرانيين والامريكان في العراق .
تداعيات هذا الصراع على الارض العراقية تجسد بمثالب خطيرة من قبيل الحرص على ارخاء الوضع الامني والتهديد باعادة الارهاب لمناطق عراقية والاستهانة بشرعية الانتخابات وتقليل قبول نتائجها من خلال الحرق وتحريك الخاسرين في البرلمان لعدم خروجهم من سلطة القرار التشريعي وتلاعبهم بقوانين باثر رجعي.
السعي الايرالني لاظهار قوتهم مقابل ضعفهم وخساراتهم في مناطق صراع اقليمية في اليمن وتهديدات باخراجهم او تحديد مهماتهم في سوريا, كل ذلك جعلهم لا يتنازلون عن قوتهم في العراق فالساحة العراقية التي رفضتهم شعبيا ولم ينتصروا فيها ديمقراطيا , ما زالت فاعلة من خلال قوة القرار التي تتمتع به الدولة الموازية التي اسسوها في العراق من خلال استيلاء حزب الدعوة على مناصب الدولة التنفيذية ابان سيطرته على منصب رئاسة الوزراء لاربعة عشر عاما ولاربع حكومات لحد الان , وسيطرة الحشد الشعبي على مفاصل الميدان.
لكن هذا لا يعني انهم لم يعرفوا ان الصوت الشعبي بات عاليا باتجاه رفضهم وترك العراق لاهله , وليس للامريكان على حد زعم بعض السنهم في العراق .
الايرانيون الذين يدافعون بشكل جلي عن الاسلام السياسي الشيعي ويحاولون فرض امر جمعه من جديد تحت خيمة التحالف الوطني , لم يفلحوا بجمع شتات حزبهم المنضوي تحت رعايتهم منذ عقد ونيف من الزمان ونزل حزب الدعوة بقائمتين لزعيمين لم يتنازل احدهما عن وجهة نظره للاخر. كما انهم لم يستطيعوا ترويض الصدر وتمرده على قراراتهم , كما انهم لم يتعرفوا بعد على الطريقة الملائمة لاحتواء عمار الحكيم الزعيم الذي وقف ضد فتوى الخامنئي عام 2010 لاعادة المالكي لرئاسة الوزراء لدورة انتخابية ثانية. وما زال لا يهوى الانضواء تحت خيمتهم ويبحث عن جيل شاي يقود المشهد السياسي غير الجيل الذي ترعاه ايران .
كل تلك خيبات امل ايرانية توجتها نتائج الانتخابات وخجل الاسلامويين من التصريح باسلاميتهم ومحاولة احتواء الشارع الرافض لاسلاميتهم السياسية بالتحالف مع شخصيات غير محسوبة عليهم , ومع ذلك لم ينجحوا بالانتخابات .
كل تلك المعطيات وضعت من العبادي سببا لاخفاقهم لانه لم يحسب عليهم فحزب الدعوة بجناح العبادي بات غير ايراني ولا يقبل التعامل مع ايران مثلما كان يتعامل نوري المالكي الذي يتزعم الجناح الاخر للحزب , الامر الذ يجعل من الايرانيين تكثيف جهودهم من اجل الاطاحة بالعبادي والجهر برفض تحالفاته مع الصدر والحكمة والوطنية , ورفض سعيه للخروج بحكومة فضاء وطني وترك بؤرة المكونات المذهبية والعرقية.
الامر المثير ان الدور الايراني في العراق بات محصورا على رفض العبادي وليس على اقناع الاخرين بتوجهاتهم لانهم ما زالوا تقليديين وغير قادرين على الاتيان بشيء جديد للعراق , وهم يعلمون ان المواحهة مع امريكا ستكلفهم وضعا اقتصاديا مزريا لذلك هم سيتشبثون بمنصب رئاسة الوزراء كي يتقاسموا مع العراق خيراته وموازناته السنوية على غرار الموازنات السابقة التي تقاسموها ابان فترة حكم المالكي , وهم مجبورون حماية الاخير لانه ما زال يقود الدولة الموازية التي اسسوها ابان حكمه.
واذا كانت اموال العراق المنهوبة هي الوسيلة الوحيدة لعبور محنة الحصار الامريكي على ايران فان الامريكان الذين يعملون بتوئدة وبطء شديدين , ويدركون تماما بانهم لم يعودوا على مسافة واحدة من قضية التخادم الامريكي الايراني الذي حكم العراق طيلة الفترة السابقة.