الناصرية الحبيبة.. عندما يخطئون في وضع النقاط

عادل عبد المهدي
الناصرية -ذي قار- محافظة طيبة مضحية معطاءة شأنها شأن بقية محافظات العراق.. ومما يؤسف له ان الادب السياسي هش لدرجة انه يستخدم الكثير من المفردات والمفاهيم بدون ان يضع النقاط جيداً على الحروف. فبسبب تضحياتها وصمودها امام الغزو البريطاني في 1915 وايقاعها الخسائر بقواته، يُقال ان القائد العسكري البريطاني اطلق على الناصرية وثوارها اسم “الشجرة الخبيثة” كنية عن الاشجار التي كانوا يقصفون من خلفها الجنود البربطانيين. و”الشجرة الخبيثة” في ذهن العسكري البريطاني هي Tree malignant او Tree Evil، والتي توجد حولها في الادب الانكليزي روايات كثيرة تصورها كالعفاريت او كالسرطان تمس بالشر كل من يستظل بها او يقترب منها. ولاشك ان توصيف القائد البريطاني، إن صح، هو توصيف صحيح من زاويته.. فالناصرية كانت شريرة معه ووبال عليه. اما من الجانب الوطني فهي مفخرة لابنائها ولابناء العراق كافة. لذلك تصدت لمحاولات الاستبداد والتعسف والسيطرة خلال الفترة العثمانية.. وكانت مهد الثوار في مواجهة الاحتلال البريطاني وفيها دفن قائد المقاومة الشهيد اية الله السيد محمد سعيد الحبوبي، قدس سره.. وكانت مسرح من مسارحهم الاساسية في ثورة العشرين.. وبقيت شوكة في اعين المشاريع الاستعمارية البريطانية والامريكية.. ومنها برزت شخصيات عملاقة في كافة المجالات السياسية والادبية والعلمية والاجتماعية والقبلية والرياضية والفنية.. وبقيت الناصرية بتنوعها الديموغرافي والطبيعي تنتج كفاءات بشرية تشارك بقية محافظات العراق، بالرغم من الحيف والاهمال والتمييز الطائفي الذي عانت منه طوال القرون الماضية. لذلك كانت قلعة حصينة لابناء العراق كافة الذين استقروا فيها لما توفره لهم من امن وسلام. فهي شر وخبث على اعدائها واعداء العراق، ورحمة واحتضان لابناء العراق بمختلف قومياتهم ومذاهبهم ودياناتهم وتوجهاتهم.
أحيت حقبة صدام حسين بشكل خاص ترديد التعبير مجدداً، لما وجدته من الناصرية ومناطق الجنوب وبقية المحافظات من مقاومة للاستبداد والتعسف.. فأعاد ادب السلطان لفظة الشجرة الخبيثة، قبل وبعد انتفاضة اذار الشعبانية.. وهنا ايضاً كانت الناصرية عدواً للظالمين والمستبدين، ورحمة لابنائها وابناء الوطن. فالناصرية شجرة طيبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، شأنها شأن بقية المحافظات. لذلك نقول ان الادب السياسي لدينا هش لانه احياناً يستخدم بعض المفردات والمفاهيم، دون ان يدرك خطورتها، حتى عندما يكون الامر زلة لسان او من باب المزاح.
الناصرية حبيبة على القلب، وليست خبيثة.. فالنقاط يجب ان توضع بشكل صحيح في مواقعها الصحيحة. نقول ذلك ليس لاننا من اهلها، بل لانها الحقيقة التي يعترف بها الجميع. ففي العراق نعاني اشد ما نعاني من المفردات السياسية التي اختزنها الفكر السياسي ولم تدقق او تراجع، لتؤسس مزالق تهدم وتفكك ولا تبني وتوحد. فنحن نحتاج الى لغة بناءة وايجابية. فالسخرية وتسفيه كل شيء، وتحويل حتى الايجابيات الى سلبيات، والمبالغة بالسلبيات وكأن بقية الشعوب والبلدان ليست فيها مشاكل.. والتقليل من شأن الامور والناس وعدم رؤية منجزاتهم، بل رؤية اخطائهم فقط لا يساعد على اصلاح او بناء شيء، وهو من المشاكل الكبيرة التي نعاني منها. فالبعض يعتبر ان الانتقاد والسخرية وترديد الاكاذيب عندما تخدم اغراضه، يمكن ان تصحح الامور.. بينما الاساس هو تعزيز النجاحات والمكاسب والمفاهيم والمفردات الصحيحة، والتي بالارتكاز عليها يمكن اصلاح الاخطاء والسلبيات. ليس المطلوب اكاديميات ومعاهد للتدريب على ذلك، اذ ما على المرء سوى ان ينظر الى اولاده الصغار. فاللغة التي يزرعها فيهم هي التي ستكبر معهم.. والشفقة والرحمة والمساعدة في مساعدتهم على ضعفهم وزلاتهم واخطائهم، هي التي تساعدهم في النجاح في حياتهم.