إصلاحيون من زجاج
جمال جصاني
مفردة “الإصلاح” استبيحت من قبل طيف واسع من القبائل السياسية والعقائدية، ولن نجافي الحقيقة عندما نقول انها؛ أصبحت عنواناً وملاذاً لشتى أنواع الدكاكين والتنظيمات القديمة منها، أو تلك التي طفحت وتورمت بعد حقبة الفتح الديمقراطي المبين. مثل هذا الرأي طرحناه مع باكورة التظاهرات التي تقمصتها أشباح ويافطات وتسميات ما يعرف بـ “ربيع العرب”، تظاهرات ساحة التحرير العام 2011، والتي كشفت عن هويتها وملامحها وقدراتها الفعلية، رغم إصرار البعض على تحميلها ما لا تطيقه من مكانة وقدرات. منذ البدء التقى في عربة “الإصلاح” هذه طيف عجيب من القوى والجماعات والأفراد (سبحان الجمعهم من دون ميعاد)، من ناحية الفكر والقيم والسلوك والمقاصد النهائية (لكل منها موالها الخاص بها)، وقد عبرت عنها هتافات وسلوك التظاهرات الاولى، وكذلك ما حظيت به من تغطية إعلامية مبالغ بها محلياً وإقليمياً. الحقيقة التي لا يطيقون مواجهتها؛ هي أن الأقدار العابرة للمحيطات، قد وفرت لهذا البلد الذي عجزت وفشلت شعوبه في التحرر من العبودية والإذلال لعقود طويلة؛ فرصة إصلاح وتطوير حالهم عبر أفضل ما صنعته سلالات بني آدم من وسيلة لفك الاشتباكات (صناديق الاقتراع)، وهاهي الدورة الرابعة للانتخابات التشريعية (12/5/2018) تكشف عن ذلك بكل وضوح. أبرز ما كشفت عنه هذه الجولة من الانتخابات؛ هي قدراتنا الفعلية في هذا المجال المنكوب والمستباح أي (الإصلاح) كونها ضئيلة ومحدودة جداً، مقابل اخطبوط الفساد الممتد عميقاً الى تفصيلات حياتنا كأفراد وعصابات، ولهذا الأمر جذور تاريخية وأسباب موضوعية وذاتية، ينبغي فهمها ووعيها قبل أي هرولة أو فزعة للإصلاح وغيره. كما ان من يمتطي صهوة هذه المفردة، عليه أن يأخذ بيدها الى دهاليز حياته الداخلية وركامها، قبل الانطلاق بها للنيل من الآخرين الذين لا يختلفون عنه كثيراً في الرؤى والمقاصد والهلوسات.
مشكلتنا مع هؤلاء “الإصلاحيون” تكمن في الضرر الشديد الذي يلحقونه، بما اتخذوه شعاراً لهم أي الإصلاح والتغيير، والذي يتطلب حزمة من المقومات كي يتحول من إمكانية الى واقع، وهم لا يلتفتون لذلك وحسب، بل يقفزون على مثل تلك الشروط وعلى رأسها شرط ممارسة الإصلاح والتغيير الجذري داخل صفوفهم وسكراب عقائدهم التي أكل الدهر عليها وشرب. وهي في أفضل تجلياتها، تعد محاولة للهروب الى الأمام وسط وابل كثيف من القذائف الدخانية والهوسات. ان المعطيات التي تمخضت عنها الانتخابات الأخيرة، طرحت ما ينبغي علينا مواجهته من قضايا سياسية وفكرية واقعية وملموسة، كي ننتشل مشحوفنا المشترك من الأمواج الهائجة التي تتقاذفه. وهي تبدأ في إصلاح وسن تشريعات وقوانين تمنع حصول مثل هذه الفضائح والانتهاكات، المتنافرة وروح هذا الخيار الذي أهدتنا إياه الأقدار (صناديق الاقتراع)، قوانين تضع حدا لهيمنة جماعات وعصابات التشرذم على أساس “الهويات القاتلة” على مؤسسات الدولة ومفاصلها الحيوية عبر نظام المحاصصة المميت. وفي الموقف من مثل هذه النشاطات والخيارات، سنتعرف لا على هوية وحقيقة القوى التي تتلفع بعباءة الإصلاح والتغيير وحسب، بل على إمكانياتنا الواقعية في هذا المجال. ان الرهان على الأكثر صخبا وضجيجاً وعجاجاً في هذا المجال، لن يضيف لموروثنا الطويل من النحيب والتذمر والشكوى والعويل، سوى المزيد من العتمة والتخبط والضياع. للإصلاح والتغيير مناخات وحيوية وعافية لم تتلمس الطريق الى مضاربنا المنكوبة بعد…