حكومة تصريف الأعمال

ناصر عمران
ترتبط الحكومة في النظام البرلماني برابطة وجودية بمجلس البرلمان او النواب فهي الوليد الاهم لمجلس النواب والخارجة من رحم رؤيته وخياراته التشكيلية الدستورية والادارية وترتبط حياة الحكومة بالفترة الزمنية لمجلس النواب وهو ما اشار اليه الدستور العراقي في المادة (56) لكنه منح الحكومة مرحلة عمرية جديدة لممارسة اعمالها، حيث ان الدستور العراقي حدد فترة زمنية لعمر البرلمان مدتها اربع سنوات لكنه لم يحدد فترة زمنية لعمر الحكومة التي تسير قدما في تسيير الاعمال من انتهاء عمر البرلمان وحتى تشكيل برلمان جديد وهو المسار الطبيعي دستوريا لحياة الحكومة في النظام البرلماني لكن طبيعة الحياة تختلف فبعد نهاية عمر البرلمان المحددة دستوريا تدخل الحكومة في مرحلة عمرية جديدة تسمى في المفهوم الدستوري مرحلة تصريف الاعمال وهي مرحلة تختلف فيها صلاحيات الحكومة في تسيير الاعمال المناطة بها عن مرحلتها الاعتيادية وهناك مرحلة اخرى تطرق اليها الدستور العراقي واعتبر فيها الحكومة تصريف اعمال وهي حالة اعتبار الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء ومنحها هنا فترة عمرية مدتها لا تزيد عن ثلاثين يوماً الى حين تأليف مجلس وزراء جديد حسب المادة (61 / ثامنا ج _د ) والمادة (64 /ثانيا) والتي اعتبرت مجلس الوزراء مستقيلا ويواصل تصريف الامور اليومية وفي ضوء قلة الآراء الفقهية التي تتحدث عن حكومة تصريف الأعمال يراها البعض: بانها حكومة متحولة من حكومة عادية بكامل الصلاحية إلى حكومة محدودة الصلاحيات في حدود تأمين استمرارية العمل الحكومي في حدوده الإدارية وهو الامر الذي دفع الفقه إلى الاختلاف حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال؛ فثمة فريق من الفقهاء يرى أن حكومة تصريف الأعمال شأنها شان الحكومة العادية التي لا تزال في السلطة وتملك اختصاصات كاملة، إذ لا يمكن تقييدها في ميدان تصريف الامور المستعجلة، وان هذا الاصطلاح استخدم كوسيلة من قبل بعض الحكومات المستقيلة للتهرب من اتخاذ بعض القرارات ذات الطبيعة المحرجة، سواء من النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. لكنّ الرأي الغالب في الفقه يرى أن نظرية حكومة تصريف الأعمال اخذت مجالها في التطبيق العملي ويرى البعض ان الأساس القانوني لمفهوم حكومة تصريف الأعمال جاء لسببين : الأول، ذو طبيعة إدارية / تنظيمية تتعلق بضرورة استمرار عمل المرافق العامة والذي يجد نفسه في كنف الرأي الفرنسي وفي نظرية استمرارية عمل المرفق العام التي خرجت من مجلس الدولة الفرنسي والثاني، ذو طبيعة دستورية / سياسية تتعلق بانعدام المسؤولية السياسية للحكومة، أي فقدانها ثقة البرلمان؛ فالأصل في النظام البرلماني أن الحكومة لا تكون مختصة بمباشرة صلاحياتها إلا عندما تتمتع بثقة البرلمان وتكون مسؤولة أمامه وتخضع لرقابته. ولكن على الحكومة ـ بغض النظر عن وضعها القانوني – تأمين استمرار عمل مؤسسات الدولة وانطلاقاً من هذين السببين فإن أساس وجود حكومة تصريف الأعمال قائم على التوفيق بين مبدأين: مبدأ استمرارية الدولة بهدف استمرار الحياة العامة، ومبدأ المساءلة البرلمانية للحكومة عن سياستها العامة. لذلك فان هذا التحول ليس مجرد تحول في التسمية، وإنما هو تحول أو تغيير في نطاق الصلاحيات أيضاً؛ حيث تصبح صلاحيات “حكومة تصريف الأعمال” محددة بتصريف الأعمال العادية أو الجارية، التي عرفها مجلس الدولة الفرنسي في قرار له عام 1966 أنها: “تلك الأعمال التي لا تعرض مسؤولية الوزارة مجتمعة أو الوزير المعني إلى نتائج سياسية لأن الحكومة أو الوزارة تحكم بثقة الشعب الممثل بالبرلمان والحكومة المستقيلة تكون فاقدة لثقة البرلمان مما يجعلها غير قادرة وغير ذات صلاحية دستورية لتتخذ قرارات سياسية”. وان الحكومة المستقلة او المنتهية الصلاحية الدستورية لا تستطيع ان تتقدم بمشروع لتعديل الدستور، نظرا لما يتضمنه هذا التعديل من اتجاه سياسي. واذا كانت الحكومة عاجزة عن تقديم مشروع لتعديل الدستور فإنها لا تستطيع كقاعدة عامه كذلك ان تتقدم بمشروع قانون تجاه البرلمان وهناك حالات اخرى لحكومة تصريف الاعمال ادخلت الرؤى الفقهية في اختلافات وهي حالة استقالة الحكومة وحل البرلمان وهي حالات استثنائية في المسار الطبيعي لعمر البرلمان والحكومة، فالأصل ان الحكومة في النظام البرلماني تقدم استقالتها عند فقدانها لثقة البرلمان، كما انها تقدم استقالتها عند انتهاء الفصل التشريعي. ويحدد نطاق الاختصاصات التي يحق لها دستوريا مباشرتها اذ يجب ان تحصر هذه الاختصاصات بتصريف المسائل الجارية ، او تلك التي تفرضها حالة الاستعجال او طبيعة الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة .وتجدر الاشارة الى ان نظرية تصريف المسائل الجارية لا تجد تطبيقاً لها الا في حالة استقالة الحكومة بالكامل . ويترتب على ذلك ان استقالة وزير او عدة وزراء من الحكومة لا تؤدي الى تكليفهم بتصريف الامور، ذلك لأنه اما ان يتم تعيين بدلاء لهم في الحقائب الوزارية الشاغرة، او ان يكلف احد الوزراء الباقين في الحكومة بمهام الوزير المستقيل عن طريق الانابة والى حين تعيين الوزير او الوزراء الجدد وقد شهدت الحكومة العراقية الكثير من حالات الاستقالة وبخاصة في حكومة رئيس الوزراء المالكي الثانية اما صلاحيات الحكومة عند حل البرلمان ، فيطرح التساؤل عن اختصاصات الحكومة فهل لها مطلق الصلاحيات كالحكومات المقلدة السلطة بصورة شرعية ام انها تتولى تسيير المسائل الجارية؟ وللإجابة على هذه التساؤلات فقد ذهب الفقه في تحديد اختصاصات الحكومة عندحل البرلمان في اتجاهين :الاول : يذهب الى تحديد اختصاصات الحكومة في هذه الحالة بقاعدة تصريف المسائل الجارية. اما الثاني: يعترف للحكومة باختصاص كامل عند حل البرلمان. ولعل السؤال المهم هو ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان في ظل وجوده لكن ماذا في حال خالفت الحكومة من خلال وزير او رئيس الوزراء لصلاحياتها فمن هي الجهة التي ستقوم بمحاسبة الحكومة عن تصرفاتها في حالة عدم وجود البرلمان ..؟ ان تحديد نوع المخالفة يحدد الجهة التي تنظر الجرم او المخالفة فاذا كانت مخالفة ادارية فيمكن اللجوء الى القضاء الاداري او الجهة التي تنظر الجرم المرتكب او المخالفة مع ان الدستور في الحالة الاعتيادية رسم طريقا للفصل في الاتهامات الموجهة الى الوزراء او رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية اذ جعل الفصل فيها من اختصاص المحكمة الاتحادية.