سيناريوات التغيير المستقبلية
عادل عبد المهدي
لا يمكن قبول فكرة استمرار الاوضاع على حالها.. 1- اذ تشهد الاوضاع الاقليمية والدولية تجاذبات وتغيرات مستمرة ستكون لها انعكاسات على العراق.. 2- وان معطيات الوضع الامني مع تحرير الموصل مرشحة للتغيير على الصعيدين الداخلي والخارجي، وان المعارك منذ 2014 ليومنا افرزت تغييرات ميدانية وأمنية وسياسية وديموغرافية وفي موازين القوى، ادخلت وستدخل عناصر جديدة على الخارطة السياسية.. 3- وهناك تململاً واسعاً من سيطرة الاحزاب بمختلف عناوينها على الدولة والمجتمع.. وتململاً واسعاً من جمود الاوضاع وفوضى التوجهات والادارات. يقابل ذلك ان الدستور مهما كانت ثغراته، وتطور الديمقراطية مهما كان هشاً، وسياقات تغير الوجوه مهما كانت شكلية، وحضور وفاعلية القيادات والاحزاب القائمة مهما كان مرتبكاً ومنقسماً، لكنها كلها حقائق قائمة لا يمكن تجاهلها او القفز عليها.. او ان تأسر رؤانا الانتقادات والسلبيات فقط، ولا نرى عوامل القوة والحضور ايضاً، خصوصاً انه لم تتطور قبالها بعد بدائل يمكن ان تأخذ قصب السبق منها.. 4- اضافة للاختناق الاقتصادي الذي ستتضح ضغوطاته اكثر فاكثر، مع تزايد السكان وتراجع الموارد النفطية وعجز قطاعات الاقتصاد الحقيقية.. 5- وهناك ايضاً الدعوات لاستقلال كردستان وتنازع المناطقية ودعوات تشكيل الاقاليم.
مع استبعاد حصول ثورة او انقلاب، كما حللنا في افتتاحية الامس.. واذا اخذنا مجموع الحقائق اعلاه، فهذه بعض السيناريوات الاكثر احتمالاً، كما نتصور:
1- اذا ما قادت المنازعات الاقليمية والدولية لمزيد من الشد والصراع، فسنشهد في العراق مزيداً من الانقسام والتصارع، تعتمد مستوياتها الداخلية على مستوياتها الخارجية. بخلافه اذا سارت الامور نحو التوافق والتعايش الاقليمي والدولي، فسيضغط ذلك ايجابياً على العراق، ليشهد بدوره توافقاً وتعايشاً في صفوف مكوناته وقواه.
2- سنشهد ضغوطات قوية للخروج عن الدستور، ومنطق الانتخابات والديمقراطية، والتضييق على الاحزاب.. لكن جميع هذه الجهود لن تجد لنفسها بدائل جدية.. لذلك ستخضع في نهاية المطاف للبقاء في اطار الدستور، والقبول بالانتخابات ونتائجها.. والتعايش مع الاحزاب. دون ان يعني ذلك توقف اثار الضغوطات التي لن تعطي ثمارها المطلوبة ما لم يفعّل الدستور وتسد ثغراته، وتتطور الديمقراطية والانتخابات من فوضى وادوات للسيطرة الى مؤسسات ونظم شفافة وسليمة لتمثيل ارادة الشعب.. وما لم تتحول الاحزاب الى مؤسسات دولة واجتماع يحكمها عقل الدولة والمواطنة والصراع على المناهج، وليس احزاب بعقل المعارضة والزعامات والصراع على المواقع، ولتكون اول القوى المحاربة للفساد والمحاصصة والطائفية والاثنية. وهذه تدافعات وضغوطات ستأخذ وقتاً غير قصير، وستمثل اهم سيناريو يمكن للبلاد ان تعيشه خلال المرحلة المقبلة.
3- سيقود ضعف موارد الدولة، وازدياد النمو السكاني، وضعف الخدمات الى ازدياد الفورة الشعبية والمطالبات الجماهيرية وازدياد البطالة، بالاثار الاجتماعية والامنية السلبية المرافقة. بالمقابل ستقود هذه الحقيقة الى تطور مهم للنشاط خارج الدولة، والبحث عن فرص خارج الموازنات والملاكات، مما سيقوي دور المجتمع وتراجع دور الدولة. ستعرقل العقليات والتشريعات التي سادت خلال عقود من ان تأخذ هذه العملية سياقاتها الطبيعية، ليأتي التحول طبيعياً ومنضبطاً، كبديل للدولة الريعية واحتكاريتها وفساد وعقم الدولة والمجتمع. لذلك سيفرض هذا البديل نفسه بطيئاً وبخسائر كبيرة، وسنتعلم الدرس ليس من وعي الامور، بل من ممارسة الخطأ والصواب. وهذا كفيل بفرز قوى جديدة، بعقليات جديدة، تلائم التحولات الجديدة.
4- ستعتمد التطورات في كردستان وبين المكونات على تطورات الاوضاع الاقليمية والدولية من جهة، ومن جهة اخرى على وعي الاغلبية الحاكمة لاهمية تقديم حلول شجاعة وتاريخية، تحقق وحدة المكونات موضوعاً وليس شكلاً فقط. وتضع البلاد في دائرة الفعل والنشاط والانتاجية والتقدم، لتناغم الفضاءات الاقليمية والدولية في تموجاتها المتعايشة والمتضادة. وتجمع بين تلبية مطامح جميع مكونات الشعب العراقي بمعادلة بالتنازل على صعيد، والربح على صعيد اخر. فاذا كانت كردستان ستذهب الى مزيد من الاستقلالية، فان الخارطة الادارية الداخلية للعراق قد ترسم حدوداً جديدة تستبطن من جهة حقائق الولايات العثمانية (الموصل، بغداد والبصرة) والالوية الـ14 للحكم الملكي، والمحافظات الـ18 الحالية، ومن جهة اخرى الوقائع الجديدة.
عادل عبد المهدي