إصلاح العملية السياسية

نجاح العلي
يشهد الواقع السياسي العراقي حراكا ايجابيا تمثل بزيارات مكوكية بين الشركاء واحيانا الغرماء السياسيين التقليديين من اجل دفع العملية السياسية الى الامام جراء حالة الجمود والكساد السياسي ونتيجة عدم الرضا عن الاداء السياسي من قبل افراد الشعب العراقي اولا ومن قبل السياسيين انفسهم ثانيا في نقد ذاتي بناء قد يسفر عن اجراء اصلاحات جوهرية وجذرية في المشهد السياسي لتلافي عيوب التأسيس التي اعقبت مرحلة ما بعد 2003، واهمها ترك العديد من الامور الجوهرية التي تقوم عليها الدولة العراقية معلقة ومؤجلة واهمها الاعتماد على الديمقراطية التوافقية التي اثبتت فشلها رغم اعادة انتاجها في اكثر من كابينة وزارية وضرورة الركون الى الاغلبية السياسية التي تضم مختلف التكوينات الاجتماعية التي يجمعها برنامج انتخابي محدد ومتفق عليه، تقابله معارضة سياسية قوية لا تشتمل على مكون محدد فقط، تراقب الاداء الحكومي وتصحح مساره خدمة للصالح العام بعيدا عن التسقيط السياسي والحزبي والمكوناتي.
فمنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحى الان مرت الحياة السياسية العراقية باربعة انظمة سياسية واخرها النظام السياسي الذي اعقب عام 2003 وما امتاز به من اعتماده على دستور منتخب من قبل الشعب ضمن تعددية سياسية وانتقال سلمي للسلطة وحرية التظاهر والاعلام وتأسيس النقابات والاتحادات العمالية والمهنية، وما يعاب على هذا النظام اعتماده على حكومة الشراكة وانعدام المعارضة السياسية التي تقوم الاداء الحكومي واصبحت الاستجوابات للوزراء والمسؤولين مستندة في الاساس على تسقيط سياسي وحزبي وفئوي، فكل جهة سياسية تستهدف وزراء خصومها، دون ان تنعكس تلك الاستجوابات على تحسين الاداء الحكومي فالوزير البديل احيانا يكون اسوأ من الذي قبله في الاداء او في تعاطيه مع الفساد. الانتخابات المرتقبة والتي يمكن التعويل عليها في تغيير بنيوي في المشهد السياسي العراقي تستند في الاساس الى تغيير النظام الانتخابي بما يحقق تمثيل نسبي حقيقي في مجلس النواب العراقي بعيدا عن الاصطفافات الفئوية والقومية والدينية والمذهبية، وضخ دماء جديدة في العملية السياسية من جيل الشباب سواء من داخل الاحزاب والكتل التقليدية او من احزاب فتية جديدة تضم مختلف التلاوين الاجتماعية العراقية يجمعها برنامج سياسي يحقق دولة الرفاه الاجتماعي التي ننشدها جميعا.
الطروحات التي ندعو اليها ليست سريالية بل هي واقعية وقابلة للتنفيذ والتطبيق على ارض الواقع لكنها تحتاج الى ارادة سياسية للكتل والاحزاب المتنفذة والقابضة على مقاليد الحكم وبيدها القدرة على سن تشريعات وقوانين تسهل وتسرع من تنفيذ عمليات اصلاح سياسي كبرى تصحح مسار العملية السياسية التي وصلت الى طريق مسدود امام حالة من الاحتقان الشعبي وعدم الرضى في اوساط كبيرة من المجتمع العراقي والتي قد تطيح بالتجربة الديمقراطية الناشئة التي لم تتمكن مع الاسف الشديد من استثمار الفرص الكبيرة التي كانت متاحة لها لوضع العراق على مسار الدول المتقدمة والنامية للوصول إلى نهضة عمرانية واقتصادية وعلمية تعوض البلد عما مر به من حروب وحصارات وجوع وحرمان طيلة اكثر من عقدين من الزمن، والفرصة مؤاتية الآن والانتخابات على الابواب من اجل تحقيق الاصلاح السياسي الذي اصبح مطلبا وواجبا وطنيا لا بد من تحقيقه.