إيرادات الجمارك تعظيم لموارد الدولة

عبد الحليم الرهيمي
منذ إقرار البرلمان ميزانية العراق لعام 2017 وعدد من الخبراء والمختصين بشؤون المال والاقتصاد يتحدثون عن واحدة من أهم مصادر تمويل ميزانية الدولة بعد النفط والتخفيف من العجز فيها وهي إيرادات الجمارك التي تستوفى من دخول مختلف البضائع من منافذ الحدود البرية والمطارات.
غير ان أحداً منهم لم يتحدث بوضوح وبشكل شامل عن هذه المسألة المالية – الاقتصادية المهمة بما يسلط الاضواء عليها إعلامياً وحكومياً وبما يساعد على استنفاذ تحقيق الفائدة المرجوة منها ويساعد في الوقت نفسه، على كشف وتحديد الأسباب الحقيقية التي حالت وتحول دون تحقيق الحد الأعظم من تلك الإيرادات لمصلحة واردات الدولة وميزانيتها.
لقد بثت فضائية الشرقية قبل أيام في برنامج (اليوم التالي) الذي يقدمه الإعلامي محمد الغزي لقاءً مطولاً مع الدكتور مظهر محمد صالح مستشار رئيس الوزراء حيدر العبادي للشؤون المالية والاقتصادية تحدث فيه عن عدد من القضايا المالية المهمة والاقتصادية مثل الميزانية وعجزها، والقروض التي استلفتها الدولة او التي ستستلفها مستقبلاً من المؤسسات الدولية، وقد توقف في حديثه باهتمام عند واحدة من أهم الايرادات التي تعظم موارد الدولة وتسدد مستقبلاً أقساط الديون المستحقة دون الاضطرار الى التسديد من واردات النفط التي تبقى عماد ميزانية الدولة. وبالطبع كان المقصود بذلك هو واردات الجمارك الضخمة التي لم يجر الاهتمام بها في السنوات الماضية حيث لم يتم استحصال أو استيفاء وارداتها بالشكل الصحيح والسليم نتيجة الفساد المستشري في أجهزتها التنفيذية المسؤولة عن ذلك.
وعند حديثه بالأرقام عن أهمية هذه الواردات وحجمها اشار الدكتور مظهر الى ان مقدار المبالغ التي كانت تستحصل من تلك الايرادات سنوياً تبلغ ما يعادل 800 مليون دولار في حين أن حجم هذه الايرادات سيبلغ نحو ما يعادل 800 مليار دولار سنوياً، اي بواقع عشرة اضعاف ما يتم الحصول الآن، وذلك اذا ما اتخذت الخطوات والاجراءات الحسابية والرقابية الدقيقة لهذه الواردات، واذا ما اتخذت كذلك الاجراءات والملاحقات الحازمة والصارمة لمافيات الفساد تقوم وتساعد في سرقة او هدر القسم الاعظم من تلك الايرادات ويبقى (الفتات) القليل الذي يحّول الى ميزانية الدولة!.
وقد أشار الدكتور مظهر ايضاً الى بعض مظاهر الفساد المستشري في مؤسسة جباية الواردات وهي دوائر الجمارك والكثير من موظفيها، حيث باشرت الحكومة والجهات المعنية باتخاذ الخطوات الاولى لمكافحة الفساد والمفسدين في تلك الدوائر من خلال كشف وتحديد السبل والاجراءات التي يقوم بها الفاسدون لأخذ الرشى من اصحاب البضائع واللجوء الى مختلف اساليب التحايل والتزوير والابتزاز والتواطؤ مع بعض الأجهزة والجماعات السياسية والمسلحة لحمايتهم واستمرار فسادهم مقابل مشاركتهم في الفساد.
لقد أشار العديد من النواب وهيئة النزاهة وعدد من المختصين ومن العاملين في وزارة المالية الى آفة الفساد المستشري الخطيرة في المنافذ البرية والمطارات، ومناشدة الحكومة والجهات الرقابية المعنية الى مواجهة ومعالجة هذه الظاهرة ووقفها بكل السبل والاجراءات والتشريعات القانونية، بما يحد منها اولاً، وبما يؤدي الى القضاء عليها تالياً، لمصلحة الدولة والشعب العراقي.
ويأتي في هذا السياق ما كشف عنه مكتب المفتش العام بوزارة المالية في تصريح له نشرته جريدة الصباح في 13 نيسان الماضي وقال فيه: لقد تم سحب يد وإحالة 200 موظف جمركي الى القضاء بسبب ملفات فساد. وقال المفتش العام للوزارة ماهر البياتي، ان الاجراءات الرقابية والتفتيشية التي اتخذت في الفترة الاخيرة أسهمت في تحقيق ايرادات كبيرة تتجاوز الضعف في بعض المواقع.
لاشك ان هذه الاجراءات والقرارات التي اتخذت حتى الآن بحق عدد من الفاسدين في دوائر الجمارك، هي خطوات جيدة وواعدة لكنها غير كافية لردع آلاف الفاسدين الذين لم تطالهم بعد قرارات سحب اليد والاحالة الى القضاء. وبالطبع فإن الاستمرار في ملاحقة هؤلاء الفاسدين والمفسدين وكشف شبكاتهم، سوف لن يساعد فقط على تعظيم موارد الدولة في هذا المرفق الحيوي ليجعل من واردات الجمارك المورد الثاني بعد النفط، انما سيساعد ايضاً على تشجيع القائمين على المواد الاخرى مثل السياحة الآثارية والسياحة الدينية التي يتحدث كثيرون عن التهاون في استحصال ايراداتها والاستفادة منها بحدها الاعظمي، وبذلك ستشكل الواردات الحقيقية من الجمارك ومن السياحة الآثارية والدينية تعظيما عظيما وواقعيا لواردات الدولة بعد وارد النفط الذي ينبغي الكف عن اعتباره واعتماده كمورد وحيد لميزانية الدولة وللبناء والاعمار!.