“القوة المجتمعية” الحلقة المفقودة.. بين ديمقراطية الصناديق وديمقراطية الجمهور

عادل عبد المهدي
يعتقد البعض ان الديمقراطية هي مجرد الذهاب لصناديق الاقتراع. فلا يرى المضمون، من حيث المؤثرات والاليات والاهداف. فما اسهل انتخابات الـ 99% من الاصوات.. والحصول على اغلبية تضمنها النظم والقوانين الانتخابية التي تحمي في المحصلة الطبقة السياسية وتجعلها بطرق مختلفة محتكرة للسلطة.. لذلك لم يتردد ماركس كفيلسوف -عندما كان الصدق المعرفي هو السائد وليس التدليس الفكري- من تسمية هذه النظم بديمقراطية الاقلية البرجوازية، والدعوة لدكتاتورية البروليتاريا باعتبارها، حسب رايه، ممثلة للاغلبية.
ينقصنا نقاش فكري معمق ومدروس وعلمي لنظام الحكم الحاسم لضمان حاضرنا ومستقبلنا. فنحن امام..
أ) الفوضى الفكرية المتأثرة عموماً، بقناعات وردود فعل، اما هشة وسطحية تولدت في ظروف الاستبداد، ومن ثم الاحتلال والارهاب وتخاصم التيارات السياسية والاجتماعية..
ب) الحراك الشعبي والنخبوي والسياسي الذي هو اقرب للعفوية والتعلم “براغماتياً” من كونه حراك عارف بقوانين عمل التشكيلات القيمية/الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية.
ان الانتخابات والحريات الواسعة هي مكسب كبير.. لكن بدون تطويره ودعمه بمقومات حقيقية فقد يرتد على نفسه.. وان حركة الاحتجاجات هي مكسب وتطور ايجابي لحركة الجمهور.. لكنها بمفردها وبدون رؤى وفلسفة متكاملة تنتقل من العفوية وردات الفعل الى الوعي والفاعلية، فسترتد على نفسها ايضاً. وللحفاظ على ذلك وتطويره نحتاج كمقدمة للاتي:
1- تطوير قانون الانتخابات ليعكس افضل حالات بناء حكومة ناجحة تستطيع انجاز مهامها في ظروف ومقومات محددة.. وهذه مهمة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية القادمة.. وكذلك النخب والمثقفين ومراكز القرار.. ولكن بشكل اساس القوى السياسية التي يجب ان تتخلى بوعيها او بضغط الشارع والمرجعيات ومراكز القوى عليها لكي تؤسس لنظام تمثيلي وانتخابي ليس لنفسها وتسلطها واحتكارها ومحاصصاتها بل للشعب للوصول الى أ) افضل وانزه وادق تمثيلية لارادة الغالبية من الشعب وطاقاته وقواه.. ب) وابسط وافضل واسرع وسيلة “ديمقراطية” لتشكيل حكومة ناجحة في ظروف ومركبات العراق الحقيقية وليس المفترضة.
2- تطوير الحراك الشعبي وضخ الافكار والممارسات التي تنقله من العفوية ورد الفعل المجرد الى الواعي والفعل الايجابي المخطط.. ومن الاحتجاج السلبي الى البناء والاحتجاج الضاغط الايجابي. فدور الشعب ومراكز القرار وقوى الضغط ليس الذهاب كل 4 سنوات لصناديق الاقتراع، ثم ترك الامور للسلطات الحاكمة، بل لابد ان يستمر دورها بالمراقبة والضغط في الاتجاهات الصحيحة.. وهنا اهمية المرجعيات فوق السياسية والرأي العام، ومؤسسات المجتمع المدني، والجماعات والتجمعات والنقابات والمناطق لتبقى سيادة وسلطة الشعب الواعي هي الحاكمة.
نلاحظ اموراً ايجابية في الاحتجاجات الاخيرة، وظهور حالة من الوعي والمسؤولية، ولو الجنينية.. والتي قد تصبح احدى التيارات الاساسية للتدافعات الاجتماعية/السياسية. اذ سبق وكتبت عن “القوة المجتمعية”. فلقد برهنت هذه المجاميع الشابة انها خطوة واعية ومتقدمة لحركة الاحتجاجات. فهي لا تكتفي برد الفعل والشعارات المطلبية، بل تتعداها، لبناء المبادرات والخطط.. ولا ترتبط بحزب او تيار عقائدي محدد، بل ربطت نفسها طوعاً بخطوط فكرية واعية ومتكاملة تعتقد انها تمثل المصالح والمنافع العليا للبلاد.. فعلاقاتها تنظمها اهدافها، وهي مدخلها للتعاون مع الجميع من مواقع الفعل والانجاز وليس التابعية والنفعية الخاصة. فهي قوة تنتظم وتنفرط حسب المهام والموضوعات، المعزولة شكلاً والمرتبطة مضموناً بخيط يجمعها في رؤية منهجية متكاملة. مجاميع صلبة وعنيدة في نقدها وتصميمها، لكنها مسالمة وايجابية في طروحاتها وممارساتها. لا توجد لها قيادة مهيكلة، لكن لديها قياديين وقيادات ميدانية، تنتخبهم كفاءاتهم وحضورهم وتضحياتهم وحجيتهم وكونهم قدوة واسوة لاخوانهم واخواتهم. لا يتحركون لانهم بالضرورة عاطلين عن العمل او تنقص بيوتهم الكهرباء والماء وغيرها، بل قد يكون اغلبهم من اصحاب المهن ولهم مداخيل مقبولة، ويتوفر في بيوتهم الحد المعقول من الكهرباء والماء.. فهم يتحركون مع حركة الازمة او الازمات العامة، ويتضامنون مع العاطلين ومن يعانون من نقص الحاجات والخدمات. هذا التكامل هو ما يجعلنا متفائلين بتطور الحركة الشعبية العراقية، ومراكز الضغط التي ان تطورت، فستساهم بصناعة السياسي والبرلماني والموظف الناجح والكفوء.