المصالح الوطنية والاقليمية، ورفض سياسات الحصار والعقوبات بالمطلق

عادل عبد المهدي
ترتبط مصالحنا بالتطورات والمصالح الاقليمية والدولية.. خصوصاً في ظروف المنطقة ومحاربة الارهاب، وخلافات الدول، وانقسام المجتمعات.. وسياسات الحصار والعقوبات والاجراءات الاحادية الظالمة. فالعراق ومصالحه جزء من الصراع الذي اندلع في المنطقة منذ تأسيس “اسرائيل”، وحركات الاستقلال والتحرر الوطني.. وجزء من منظومة المنطقة السكانية والعقيدية والتاريخية والجيوبوليتكية والاجتماعية والاقتصادية وفي علاقتها بالعالم. ولاشك ان اية نهضة وتطور في المنطقة، او اي ضعف واضعاف لها او لطرف فيها سيلقي بضلاله الايجابية والسلبية على العراق. وعلينا مواجهة التدافعات والتداعيات نحو نهايات تحقق مصالح الشعوب والدول، لا ان نسمح لها لتكون ادوات لمزيد من الانقسامات والتدخل والتضعيف.. فلابد من التضامن والوقوف ضد الانقسامات والحصار والعقوبات. وان الحصار والعقوبات على العراق خير دليل على وقوف الاخرين معنا، وعلى الاضرار التي اصابت العراق، ودول المنطقة كافة، وكذلك الاوروبيين والامريكان ايضاً. وان الفوائد الانانية للبعض يجب ان لا تخفي هذه الحقيقة. فمصالحنا الوطنية –وبغض النظر عن اية خلافات جزئية- ترتبط اساساً بدول الجوار كايران وتركيا والدول الخليجية والعربية، واي ضرر يصيبها سيصيبنا، واي ضرر علينا سيصيبهم. ويجب ان لا تأسرنا احداث وضغوطات اللحظة فتطوق وعينا ومواقفنا، بل ان ننفتح على تداعياتها ونتائجها الكاملة لنتخذ القرارات الصائبة. فلقد انهارت الكثير من التصورات والتوقعات التي بدت كاسحة، وتعززت مواقع ومباني وانظمة وقوى بغض النظر عن ايديولوجياتها الاسلامية او العلمانية، كانت تبدو مستهدفة يومها. كتبت في 11/9/2011 افتتاحية بعنوان “الشرق الاوسط بين الراديكالية والانفتاح، وتقدم الغرب او تراجعه” تكشف حجم التداعيات التي يمكن ان تحصل خلال فترات قصيرة نسبياً، وانقلاب المواقف، وأهمية اتخاذ المواقف الصحيحة، وهذا نصها:
[“مر فصلان لبدء الانتفاضات.. وسقطت ثلاثة انظمة وما زالت اخرى تحت الضغط والحصار. بعضها يتداعى ويحاول تعزيز دفاعاته، واخرى تسعى للهجوم.. وانقلبت موازين القوى الداخلية والاقليمية والدولية.. البعض فرح من انقلاب تاريخي ينهي راديكالية الايديولوجيات ومنها الاسلامية.. ويشدد اخرون على ان الصحوة في عمقها ومستقبلها هي صحوة اسلامية.. فالاتجاهات لم تتبلور بعد.. وموازين القوى الجديدة لم تحسمها الشعوب.. او الحكومات والمنظومات الاقليمية والدولية.
الاحداث تاريخية وشاملة ولاشك.. فهي ليست وليدة عوامل طارئة كانقلابات الجيوش والقصور والتدخلات الاجنبية من داخل الخارطة الواحدة، او البلد الواحد… فالنتائج جذرية وعامة وقد تأخذ عدة سنوات وعقود. فمن كان يتصور ان خريف براغ (1968) والتضامن في بولونيا (1980) وبيريوستريكا غورباتشوف (1986) ستقود الى انهيار جدار برلين (1989) كعنوان كبير لتفكك الكتلة الاشتراكية.. وهو التحول الاخطر خلال القرن العشرين قاطبة. واذا استثنينا البانيا الستالينية، وموقعها الاوروبي، فان ما تفكك هو الاتحاد السوفياتي وتشكيلاته الاوروبية والاسيوية والافريقية. فصمدت كوريا الشمالية وكوبا، بل تعملقت الصين كظاهرة جديدة، بعد ان تخلصت من “الامبريالية الاشتراكية”، وصارت “شيوعيتها” شريكاً لـ”الامبريالية الرأسمالية” حسب توصيفاتها آنذاك للسوفيت والامريكيين على التوالي. كذلك عند سقوط سايغون.. فلم تسقط فيتنام ولاوس وكمبوديا وجنوب شرق اسيا فقط بل سقط نكسون في عقر داره ودخلت امريكا في سبات لم يوقظها منه سوى ريغان وهجومه المضاد.. ومثل سقوط القدس وهزيمة حزيران (1967) انهيار الناصرية (1970) وانقلابات العراق وليبيا وسوريا.. وبدأ نظام جديد تمثل بصعود الكفاح المسلح الفلسطيني.. والحرب الاهلية في لبنان (1974).. وحرب اكتوبر وكامب ديفيد واوسلو.. وتقدم دور دول الخليج والحركات الاسلامية وايران وتركيا.. واندلاع حروب المنطقة الكبرى والتدخلات الاجنبية وتفاعلات ذلك حتى يومنا هذا.. فنحن امام هذا النمط من العواصف والاحداث والتي تتناول منظومات وشبكة علاقات ومفاهيم، والتي قد تأخذ وقتاً طويلاً قبل ان تعطي نتائجها.
فهل ستنجح الشعوب في فرض انظمة جديدة توفر لها الحريات والحقوق كما تتمنى.. ام ستطغى الانقسامات والفوضى والحروب؟ وهل ستتفكك الانظمة والتشكيلات الراديكالية لاسيما الاسلامية.. ام ستتقوى ويزداد نفوذها كما حصل خلال العقود الاخيرة؟ وهل سيعود الغرب للعب دوراً اكبر كما يفعل الان.. ام سيجد نفسه غارقاً في اوضاع لم يحسن تقدير نتائجها؟ وان غداً لناظره لقريب.”]