لماذا يهوى العراقي السياسة؟
عدنان أبو زيد
يزاول العراقيون السياسة، في بلد نهض من ركام حروب طويلة، في اعتقاد راسخ بأنها الوسيلة الأنجع إلى الطموح والغاية.
الكل يسعى إلى مغادرة موقعِه وعمله، جريا إلى المنصب السياسي، سواء عبر الانتخابات، أو بواسطة الفرص والعلاقات، في دينامية لا تبدو تلقائية…
الطبيب يهجر عيادته، ممارسا السياسة، والمهندس يجهد ويجاهد لأجل منصب سياسي، ورئيس العشيرة، يعزز إمكانياته لاستكمال نفوذه العشائري بمنصب حزبي، أو نيابي.
الإعلامي، الذي يمتلك الوسيلة، لإيصال الصوت، والتعبير عن إرادة الناس، ينصرف عن إبداعه، وعمله، سعيا الى منصب، حتى لو عطّل قلمه.
الشباب العراقي، لاسيما العاطل، انتهز التظاهرات وأغراضها في التعبير عن المطالب، لكي يمارس لعبة السياسة…
وليس على حين غرة، بل منذ وقت طويل والأسرة العراقية حين تتنادى، تتداول كرة السياسة وتتقاذفها، وقد زاد في الظاهرة، حرية التعبير بعد العام 2003، بعد أن كانت تُمارس سرا قبل ذلك التاريخ، خوفا من البطش والتنكيل.
الفنان العراقي يكاد يترك اشتغالاته، في الدراما، والرسم، وراح يصارع على منصب تنفيذي في نقابة الفنانين، على أمل جاه المنصب السياسي..
الملاكم العراقي، ربما يلاكم داخل الحلبة على أمل الفوز، بكرسي الاتحاد….
على هذا النحو، تجري الأمور ليتحول الأفراد “الطامحون” لو اتيحت لهم الفرصة، إلى مسؤولين إداريين وسياسيين، ضاربين هواياتهم وانشغالاتهم وإبداعاتهم، عرْض الكرسي المأمول، وقد برهنت فوضى الترشيحات في انتخابات 2018 على ذلك…
وعلى رغم اختلاف الأمثلة، والظروف، الا انها تعّبر عن رغبة جمعية إلى السياسة، والتوق الى المنصب، ويمكن القاء نظرة على سلوكيات الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي لترصد كم تغلغلت السياسة وإغراءاتها في الغالبية العظمى…
حاكم دبي، حين قال ان البلدان العربية، تشكو من فائض في السياسيين، كان على حق، ذلك ان الواقع يفيد بان هذه الشعوب، تحتاج الى الإداريين المهنيين، كل من موقعه، ولعل هذا احد أسرار نجاح الغرب، اذ لا وجود للمكتب الفاخر الذي يجلس في وسطه مدير متجبّر.
بيْد ان ما يحدث في العراق، هو العكس، اذ من المفترض أن يتحول السياسي الى خادم للنخب العلمية والثقافية، مشرّعا القوانين والأنظمة التي تسهل عملها، لكنه بدلا من ذلك، استحوذ على المشاريع والاستثمارات، وهيمن على المؤسسات، وكلها في خدمته أولا..
البحث في الأسباب التي تقود الى الانبهار بمهنة “السياسي” هو الجاه والامتياز، ومتى ما تم تنظيم ذلك ليكون السياسي حاله حال المعلم والمدرس والطبيب والمهندس، فسوف تتهافت الرغبة الى التحزب، وسوف يقود أصحاب الاختصاص الى المشاركة العضوية، في الوزارات والمؤسسات، فيما يعبّد السياسي الطريق لهم بالقوانين والتشريعات…
سرّ الاهتمام الزائد لدى المواطن بالسياسة، ناجم عن اعتقاد سائد بان الإنجاز والمجد لن يتم الا حين يصبح المرء سياسيا، بل وانتهازيا، وحين يُعتقد أن المنصب امتياز لا مسؤولية، وحين يشعر صاحب الاختصاص انه مُهان، ليلجأ الى السياسة التي أصبحت مهنة من لا مهنة حقيقية له، وحين يحسد المواطن، الساسة المرفّهين، وحين يعرض “الشو” الإعلامي، أحابيل للساسة، حسب، وحين يٌفتقد التمييز بين السلطة والتسلّط.