معنى الدولة القوية

محمد زكي ابراهيـم
ربما أختلف أنا عن سواي من الباحثين عن دولة قوية في العراق، في هذا الظرف بالذات. فما أقصده أنا شئ، وما يقصدونه هم شئ آخر.
وفي الغالب، فإن مفهوم القوة عند العراقيين الآن يعني فرض سلطة القانون، وإنزال العقوبة بالمتجاوزين عليه. ولا يتحقق ذلك إلا بإلغاء كافة الأنظمة البدائية والعشائرية، التي تهيمن على الحياة في البلاد.
وعلة ذلك لديهم أن كل شئ في هذا الكون يجري بمقدار. فإذا اختلت الموازين، فإن حصول تصادم بين الموجودات، أمر لا مفر منه أبداً.
وما كان يجري في العراق خلال عقد ونصف هو نوع من الفوضى اللاخلاقة التي غابت عنها سلطة القانون بشكل كامل تقريباً. والقضاء على هذه الفوضى مهمة شبه مستحيلة، إذا اضطلع بها نظام قائم على توزيع المسؤوليات بالطريقة السائدة الآن.
مثل هذه الدولة التي يطمح إليها الناس لا يمكن إلا أن تكون ضعيفة، حتى لو انتهت القيادة فيها إلى رجال أقوياء ذوي بصر وبصيرة.
بيد أن ما يعنيني أنا هو شكل آخر من أشكال القوة، تصبح معه مهمة فرض القانون متيسرة وسهلة.
إن من أولويات أي حكومة في هذا العالم خلق فرص عمل تستوعب الزيادة السنوية في أعداد الشبان الداخلين إلى سوق العمل. وهي فرص عمل حقيقية، وليست وهمية، كما يحصل لدينا الآن.
ولاشك أن توفر هذه الفرص يعني أن وتيرة الإنتاج دائرة على قدم وساق. وأن الاقتصاد آخذ في التنوع والازدهار.
وحينما ينتظم الشبان في عمل جاد، يعيشون من كد أيديهم، ويأكلون من عرق جباههم، فإن معنى ذلك أن بناء الدولة أصبح محكماً وسليماً.
مثل هذه الدولة هي كيان متماسك لا يسهل اختراقه من العشائر أو الطوائف أو الأعراق في الداخل، ولا الدول أو الإرهاب من الخارج! وهي قادرة على إنتاج حكومة قوية ذات حول وطول، ورؤية ومنهج، وشجاعة وإقدام!
هذه الحكومة التي أريدها أنا، ويريدها كثيرون غيري، قد تأتي عبر توافقات سياسية، أو صفقات سرية. ولكن كل هذا يمكن قبوله إذا ما تمكنت من إعادة الحياة إلى الاقتصاد العراقي المنهار. وقد أثبتت الظروف أن شخصاً واحداً، ذا طاقم منسجم صغير العدد، قادر على فعل المعجزات. ومن اليسير أن يقوم بذلك عبر سلسلة من الخطوات الجريئة، والأفكار البناءة، كإعادة الحياة إلى المصانع العملاقة المتوقفة، أو إنشاء نظام سكك حديد متطور، أو تطوير مجمع بتروكيمياويات، بجهد حكومي خالص، وليس بالاعتماد على مستثمرين محليين وأجانب، لأن بلداً غير مستقر لا يمكن أن يجذب إليه رؤوس أموال خاصة أبداً.
إذا تحقق مثل هذا الأمر فإن هذه الحكومة ستكون موضع ثقة الناس واحترامهم. أما إذا لم يتحقق فإن مسلسل الفساد والبطالة والتفسخ سيستمر إلى ما لانهاية. وسيكون في انتظار هذه البلاد المزيد من الألم والإحباط.