العقوبات.. ازماتنا من ازمة المنطقة ايضاً

عادل عبد المهدي
العقوبات المعلنة والمبطنة، اممية او احادية ليست جديدة على بلدان المنطقة، او تتعلق باسلحة الدمار الشامل فقط.. فعوقبت مصر بعد اعلان السد العالي وتأميم القناة.. وعوقبت تونس والجزائر والمغرب في كفاح الاستقلال.. وعوقب العراق بعد اعلان الجمهورية وخصوصاً قانون 80 للنفط، وليس فقط بعد 1990، وعوقبت ايران والسودان وليبيا واليمن وسوريا وتركيا وبقية الدول.. والعقوبات على بلد يحكمه حاكم جائر، تصيب الشعوب، وتزيد الحكام بأساً وتسلطاً. ويظلُم الشعب العراقي وقواه الاساسية من يقول ان هذه القوى ايدت العقوبات والحصار بعد اجتياح الكويت.. فهو يخلط بين مقاومة النظام والدعوة لتغييره وبين العقوبات والحصار، خصوصاً ان النظام كان يتمتع بدعم اقليمي ودولي عارم، لهذا اخذت معارضته ابعاداً اقليمية ودولية ايضاً.. فكردستان عانت من عقوبتين وحصارين من النظام وخارجي، وعشنا سوية كقوى متواجدة على الارض الضائقة بكل ابعادها.. فلم تبقَ من غابات كردستان الجميلة شجرة الا واقتلعت لتستخدم وقوداً نتيجة الحصارين.. والأمر نفسه في بقية البلاد، عدا أحياء الحكم.. فجففت الاهوار –ملجأ المعارضة- والتي تزيد مساحتها لبنان، وجرفت ملايين الدونمات من البساتين، وسجن واعدم وهُجر وهاجر الملايين كمثال واحد للعقوبات الجماعية المفروضة من النظام والخارج.. وكانت فرق التفتيش الداخلية تبحث عن المعارضين والحنطة والشعير الذي تخزنه العائلة لمقاومة العوز والجوع، كما تبحث فرق التفتيش الدولية عن اسلحة الدمار الشامل. فقط “اسرائيل” لم تتعرض للعقوبات والحصار رغم امتلاكها اسلحة الدمار الشامل، واحتلالها واستيطانها وعدوانيتها ومخالفتها الدائمة للقرارات الأممية. فالعقوبات والحصار عموماً ليست ادوات عدل وقانون، بل ادوات صراع شاملة لملفات شاملة. في 14/9/2011 كتبت افتتاحية “الشرق الاوسط بين الراديكالية والانفتاح، وتقدم الغرب او تراجعه (4)”:
[“هل ستسقط الانظمة او تتغير طبيعتها الفردية التوارثية ليقرر الشعب شؤون الحكومة وسياساتها وتداول السلطة وفق دستور يضمن حقوقه ومصالحه؟ ام سيزداد التطرف الديني المعادي للجمهورية والديمقراطية والغرب.. ام ستتقدم “العلمانية” المعادية للدين والتي يروج لها الغرب؟ ام ستعم الفوضى والحروب؟ وهل سيبقى الفقر والتخلف سمة بلداننا.. ام ستشهد تطوراً حقيقياً، لتعود وتلعب دورها التاريخي الذي كانت تلعبه قبل مرحلة الاستعمار، لتصبح شريكاً ونداً ومنافساً في المجموعة الدولية؟
ان العناصر والعوامل متوفرة لمزيد من التأصيل الطبيعي المتبادل -دون تصنع او مضاعفات- بين الرؤية الاسلامية الاصولية لنفسها وللاخر.. والانظمة الجمهورية والديمقراطية، باصولها وشروطها ايضاً.. وفق دستور لا يمس الاسلام والاديان، بل يحميها ويتواصل معها.. وفي نظام مدني يكون المواطن محوره وصوته.. وحيث مبدأ تداول السلطة، وضمان الرأي والاعتقاد والتعبير والحريات الخاصة والعامة والحقوق الفردية والجماعية، وحق تقرير المصير، ومنع اي شكل من اشكال الاكراه والتمييز والعنف.
ففي الحركة الاسلامية فان التجربة الايرانية والتركية والعراقية وبلدان اسيا والتطورات التي حصلت لدى جماعات الاخوان وبعض اطراف الحركة السلفية والجماعات الشيعية الاسلامية وغيرها تشير كلها الى قبول تدريجي وطبيعي وتاريخي لمبدأ الجمهورية والديمقراطية في البنية الاصولية للفكر الاسلامي، لا يخفيها عناد البعض والتناقضات والتشوهات والنواقص. فالتاريخ والاجتماع، كالطبيعة يركب ويطعم ويزاوج الممكنات والمتعارضات ليخرج بنتائج تجمع صفات جديدة تتكيف وتصبح جزءاً من الاصل.. فالعنصرية الامريكية افرزت بعد قرون رئيس جمهورية من اصول اسلامية وافريقية. ودخلت الفلسفة اليونانية حوزات المسلمين في عهد الطوسي وابن رشد والغزالي، وسط قبول ومعارضات وتهافتات معروفة. وجسّر المسلمون بين معارف الاغريق والرومان واوروبا التنوير، بعد عصورها المظلمة. وتعتبر كتابات النائيني (المشروطة والمستبدة) عملاً من الطبقة الاولى في مباني الديمقراطية والدستورية، لا تترك لشيوخ “العلمانيين” الا الاعجاب بها. بالمقابل، ورغم استمرار بعض المخلفات المسلكية والنظرية، هناك وعي متزايد يتجاوز الافراد، ليدخل بنية الجماعات “العلمانية” وتطلعاتها ومبانيها وتحالفاتها الوطنية، يتعامل مع الدين كعقيدة الامة والافراد.. الذي تحميه مدنية الدولة في الحياة العامة بما فيها السياسية.. فالنصرانية في الغرب لم تلغ الاحزاب الديمقراطية المسيحية او الاشتراكية المسيحية.. كما لم تلغ الدولة العبرية الاحزاب اليهودية ودورها في الحكومة والدولة والشأن العام.”]