الخصخصة هي الحل.. قراءات في الواقع الاقتصادي العراقي

د. المهندس ماجد الساعدي*
يتم تداول كثيرًا أحاديث هذه الأيام في مجتمع الأعمال في بغداد حول نية الحكومة العراقية تفعيل وتطبيق سياسة الخصخصة الاقتصادية أو التشاركية مع القطاع الخاص لمشاريع ومصانع وخدمات تملكها الدولة وتحويل ملكيتها وإدارتها إلى القطاع الخاص ضمن برنامج منظم وبإشراف البنك الدولي.
لكنني في نفس الوقت أسمع الكثير عن إن هذه السياسة الاقتصادية المعروفة دوليًا ستطبق على المؤسسات المتعثرة أو الخاسرة أو المتوقفة عن العمل ولا أعرف سبب الإصرار على أن مفهوم الهدف من الخصخصة هو التخلص من المنشآت الخاسرة والمتوقفة؟ ولماذا نتوقع إقبال المستثمرين على شراء المؤسسات الخاسرة؟
من خلال خبرتنا مع الخصخصة خلال الـ30 سنة الماضية وشرائنا للعديد من الشركات التي تم خصخصتها في العالم العربي لم يتم طرح أي شركة للاستثمار وهي خاسرة أو متعثرة بل تم طرح الشركات الرابحة والتي فيها المجال للتطوير والتوسعةه وتعظيم إنتاجها وبالتالي زيادة قيمتها السوقية وأسهمها المالية وتحسين منتجاتها وظروف العاملين بها.
لقد تم مناقشة هذه النجاحات مع أغلب السادة الوزراء في الحكومات السابقة والحالية وضرورة الإلمام بكيفية تسويق الشركات التي رشحتها الحكومة للخصخصة وعرضها للمستثمرين بشكل علمي وجيد ومغري قبل طرحها للخصخصة أو إعادة الهيكلة.
أما فيما يتعلق بالعمالة وحقوقها فهذا موضوع يتم الاتفاق عليه بين الطرفين وله حلول كثيرة وإبداعية مارسناها ونجحنا بها في كل الشركات التي استحوذنا عليها في عمليات الخصخصة وليس هنالك خطر الاستغناء عن العمالة الفائدة بدون التعويضات المناسبة التي ترضي العامل ورب العمل.
إن موضوع العمالة وما يحتاجه المستثمر من عدد حقيقي لتحقيق عملية إنتاجية مربحة وفعالة هو من أهم المعوقات التي تعرقل عمليات الخصخصة، حيث إن المتعارف عليه عالميًا إن الحكومات لا يمكنها فرض أعداد العاملين في الشركات المطروحة للخصخصة إلا بالإتفاق مع المستثمر، وسوف يلجأ المستثمر للتخلص من أعداد العاملين الفائضين عن حاجته الفعلية، وهذا الإجراء يمكن أن يتم بالتنسيق مع الحكومة وأن يتحمل المستثمر مبالغ التعويضات اللازمة دفعها للعمالة المستغنى عنها (وهي كبيرة عادة) ومنحهم التقاعد المبكر مقابل أن توفر له الحكومة أما:
١- إعفاءات ضريبية طويلة الأمد.
٢- عقود حصرية لشراء المنتج لسنوات يتفق عليها.
٣- تزويد مجاني أو مخفض للطاقة.
٤- التعاقد على شراء منتجات الشركة لاستهلاك الدولة.
٥- منح أراضي مجانية لتوسعة المنشآت.
إلخ من الحلول المتوفرة والممكن إبتكارها إعتمادًا على نوع الاستثمار وقيمته وأهميته الاستراتيجية للدولة.
إن التخلص من العمالة الحكومية الفائضة وتحويلها لمسؤولية القطاع الخاص لها انعكاسات ايجابية كبيرة ومؤثرة على الميزانية التشغيلية للدولة؛ أهمها:
١- تقليص النفقات والرواتب الملتزمة بها لهذه المنشآت.
٢- إعطاء الفرصة لخلق فرص عمل جديدة للشباب العاطلين عن العمل.
٣- ارضاء العاملين الذين يتم تسريحهم واعطاؤهم الفرصة للبدء بعمل جديد ومثمر وناجح باستغلال المبالغ التي استلموها من التعويضات.
٤- خلق سوق تنافسي للصناعات والخدمات وتطوير القطاع الخاص العراقي مما ينعكس إيجابًا على نوعية المنتج والخدمة المقدمة للمواطن.
إن ما ورد أعلاه يحتاج إلى قرار سياسي جريء، فبدون وجود إرادة سياسية واقتصادية وفريق عمل مؤمن بفكرة الخصخصة واحترام دور القطاع الخاص المبدع ولديه المعرفة والأدوات لتطبيق هذه العملية الجراحية القيصرية للاقتصاد العراقي لا يمكن أن ينجح صاحب القرار بإعادة هيكلة الاقتصاد وتخفيض العجز المالي وزيادة معدل النمو كما نريد وكما يطلب البنك الدولي والمنطق العلمي.
إن جوهر المشكلة في الاقتصاد العراقي الحالي هو انعدام الهوية.
وأعني بذلك عدم وضوح الرؤية حول ماهية وجنسية الاقتصاد، فالشعارات والطروحات السياسية والاقتصادية الرسمية تتحدث عن السوق المفتوح والاقتصاد الحر المبني على العرض والطلب لكن التنفيذ الفعلي والفكر الاداري لهذه العملية لايزال اشتراكيًا بحتًا وأُحادي القطب كما عرفناه منذ ١٩٥٨.
التغيير يجب أن يكون حقيقيًا ويقوده أصحاب المدرسة الحديثة في الاقتصاد متزامنًا مع تشريعات وقوانين تخفف تدريجيًا سيطرة الدولة على الفعاليات الإقتصادية وفسح المجال لها للنمو حسب متطلبات السوق.

*رئيس منتدى إعمار العراق