اعتزال العمل السياسي في العراق
لؤي الخطيب
قال علي بن ابي طالب مخاطباً أهل الكوفة { يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فأنا خائن}، وفي خطبة اخرى قال {ان خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فانا خائن}.
تُطالعنا هذه الايام اخبار اعتزال بعض ساسة الصدفة العمل السياسي في العراق بهدف التفرغ في ادارة مؤسسات “انسانية وثقافية” من أموال لم يرثوها كما لم يجتهدواً في ايجاد اصولها ابتداءً فضلاً عن تنميتها، ظانين ان الناس هم ذات الجهلة والسُذج الذين التقوهم أول مرة ليتقبلوا أعمالهم ويباركوا فِعالهم وينطوي عليهم مشهد النفاق دون حساب وعتاب وعقاب.
بعد مرور خمسة عشر عاماً من عربدة سياسية واستهتار لم يشهد الشعب العراقي مثيلاً له في تأريخ دولته الحديثة، وبعد ان اصبحت البلاد والعباد حقل تجارب لكل من هب ودب من قيادات طارئة وحواشي ومستشارين أكثر دناءة من أولياء نِعَمِهم، يحزم البعض امتعته ليغادر بهرجة الحكم الى حياة الرفاهية في قصور وديار ومتاع “كريم” ليقضوا ما تبقى من أيام حياتهم في تدوين مذكراتهم واعادة كتابة “كفاحهم” بذات الاكاذيب التي سَوَقوها للشعب العراقي عشية دخولهم حفاة الى بغداد في ٩ نيسان ٢٠٠٣، بشهادة مزورة أو سيرة ملفقة أو الاثنين معاً، على أمل ان تَذكُرهم الاجيال والتاريخ بغير الزيف الذي يكتمونه وخيال الماضي الذي سيلاحقهم الى ابواب جهنم.
قرابة مليون شهيد عراقي و ملايين اللاجئين والارامل واليتامى والمعاقين، وترليون دولار من واردات العراق وأكثر من مئة مليار دولار ديون ثقيلة وبلد مخترق واقتصاد منهك وهوية وطنية مفككة – كل هذا وغيره – هو حجم فاتورة الفشل والجريمة للثلة السياسية الامية التي أحرقت ماضينا وتحاصصت في حاضرنا وضيعت مستقبلنا، تارة باسم الدين وتارة اخرى باسم القومية والفئوية والمحسوبية، وبعدها يُبلغوننا ببياناتهم الوقحة أنهم بصدد الترجل عن صهوة السلطة متفضلين علينا بمغادرة سوح “النضال” والتفرغ للعمل “الانساني” بمؤسسات سُميَت بأسمائهم ووُرِثت لأبنائهم ومُوِلت بأموالنا ودمائنا، لتكون {بقايا اُناسٍ خلفوها موارداً، تسددُ لهو الوارثين وماتوا}.
قبل ان تغادروا أيها “السادة” انتم وحواشيكم الذين ثبتموهم بملاكات الدولة اضافة الى رجال أعمالكم الذين مولتم شركاتهم من الحق العام، عليكم ان تُسلموا لخزينة الشعب كل دينار وكل عقار وكل منشأة وكل ما نما على هذه الاموال من فوائد (بما فيها “الاستحقاقات” المُشرعنة ظلماً بقوانينَ وعقود فاسدة) وانتم صاغرين معتذرين، عسى الله ان يغفر لكم، وان لم تفعلوا فاعلموا ان لعنة الشعب العراقي ستلاحقكم أنتم وابناءكم واحفادكم وذويكم الى قبوركم وحتى قيامتكم، والله الحَكَمُ بيننا وبينكم {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.
ولكل من يعتب على قساوة المقال، سأجيبه بما قاله الجواهري: أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهمُ، أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا.