هل تحدد “الكتلة النيابية الأكثر عددا” في الجلسة الأولى أم بعد ذلك؟

حسين شعلان حمد*
تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم
(25/ اتحادية/2010) في25/3/2010
من الملاحظ على قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (25/ اتحادية/2010) وهي بصدد تفسير المادة (76) من الدستور العراقي لعام 2005، أنها حددت معنى “الكتلة النيابية الأكثر عددا” في إطار مجلس النواب أي بعد وجود المجلس وانعقاده وفقا للاجراءات الأصولية التي رسمها المشرع الدستوري وليس المراد بذلك دائما هي القائمة الفائزة في الانتخابات، على الرغم من أن ما ذهبت إليه المحكمة لا يمنع من أن تكون هذه القائمة هي المقصودة في المادة (76) من الدستور، ولكن بشرط أن تبقى محتفظة بهذا الوصف داخل مجلس النواب وأن لا تتشكل كتلة أكبر منها، وحسنا فعلت المحكمة بالذهاب إلى ذلك.
وما يعنينا هنا هي الحقيقة التي جانبتها المحكمة في قرارها المتعلقة بالتحديد الذي وضعته للإعتداد بتوافر صفة “الكتلة النيابية الأكثر عددا”، حيث قضت المحكمة في أخير قرارها التفسيري بأن يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء وفي الحقيقة لم تكن المحكمة موفقة في هذا التحديد لأكثرمن سبب:
1- إن موعد التأكد من توافر الصفة اللازمة لتشكيل الحكومة قطعا لا يحل في الجلسة الأولى لمجلس النواب، فالملاحظ أنه تسبق هذه المرحلة جملة من الاجراءات التي ينبغي تحققها، وهذه الاجراءات تستنفذ الجلسة الأولى وبعض الجلسات اللاحقة لها، سواء أكان بشكل دستوري أم بشكل عملي، والمحكمة لم تكن غافلة عن هذه التراتبية الاجرائية بل أشارت لها في صدر حكمها، وباختصار يسبق عملية التكليف الاجراءات الآتية:
 دعوة رئيس الجمهورية مجلس النواب الجديد للانعقاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات، وهنا المدة الزمنية لا تعنينا بقدر ما يعنينا تحقق هذا الاجراء، كونها قبل انعقاد المجلس أي قبل تحقق المعيار الذي حددته المحكمة (الجلسة الأولى).
 انتخاب رئيس مجلس النواب ونائب أول له وثانٍ في أول جلسة يعقدها المجلس.
 انتخاب رئيس الجمهورية وجزما لا تكون هذه المرحلة في الجلسة الأولى، بسبب جملة من الاجراءات التي تسبقها، حيث حدد قانون أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم (8) لسنة 2013 مراحل عدة لإكمال انتخاب رئيس الجمهورية هي:
 إعلان الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية خلال ثلاثة أيام من تاريخ انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه.
 تقديم الراغبين بالترشيح طلباتهم إلى رئاسة مجلس النواب خلال ثلاثة أيام من تاريخ إعلان التقديم.
 إعلان رئاسة مجلس النواب أسماء المرشحين المقبولين.
 الاعتراض على عدم قبول طلب الترشيح أمام المحكمة الاتحادية العليا.
 حسم المحكمة للاعتراضات المقدمة إليها خلال ثلاثة أيام من تاريخ تسجيل الاعتراض لديها.
 ابلاغ المحكمة رئاسة مجلس النواب بقرارها بشأن الاعتراض خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره.
 إعلان الرئاسة المرشحين الذين قبلت المحكمة اعتراضاتهم.
وهذه الاجراءات وأخيرها عملية انتخاب رئيس الجمهورية ينبغي أن تتم في ظرف ثلاثين يوما من تاريخ أول انعقاد لمجلس النواب، وهذا كله من الناحية القانونية. أما من الناحية العملية فإن انتخاب رئيس الجمهورية تحكمه الضوابط السياسية والائتلافات الحزبية، لذلك لا نصل إلى هذا المطلب إلا بعد جملة كبيرة من التفاهمات والاتفاقيات بين الكتل السياسية حتى الساعات الأخيرة من المدة التي حددها الدستور.
لذلك كان المشرع الدستوري متنبها إلى هذه العوامل فأعطى مجالا للكتل النيابية لحسم اتفاقاتها وأتاح لها ثلاثين يوما لحسم انتخاب رئيس الجمهورية، مع الملاحظ أن المعيار هنا غير مرتبط بعدد الجلسات وإنما هو معيار زماني محدد بثلاثين يوما من الجلسة الأولى لذلك قد يعقد المجلس خلال هذه المدة عدة جلسات.
وبعد اكتمال انتخاب رئيس الجمهورية تبدأ مرحلة التكليف التي ينبغي أن تكون خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، وقد علمنا بأنه ستكون قبل هذه المرحلة عدة جلسات يعقدها المجلس، وليس مهما عدد هذه الجلسات وإنما ينبغي الالتفات إلى ضرورة توافر الصفة اللازمة لتشكيل الحكومة عندما تبدأ مرحلة التكليف، إذ ليس من الصحيح الاعتداد بتوافر صفة “الكتلة النيابية الأكثر عددا” في الجلسة الأولى والتكليف يأتي بعدها بخمسة وأربعين يوما، قد يعقد المجلس خلالها عدة جلسات تتغير في ظرفها حجم القوى النيابية زيادة ونقصانا.
2- أظن أن واحدا من الأسباب التي دعت المحكمة إلى تفسيرها بعدم اعتبار القائمة الفائزة في الانتخابات هي دائما المقصودة بالكتلة النيابية الأكثر عددا، هو إن المدة ما بين المصادقة على النتائج وعقد الجلسة الأولى هي خمسة عشر يوما، وقد تكون ثلاثين يوما في حال تمديدها طبقا للمادة (54) من الدستور، وهذه المدة بل الأقل منها كفيلة بتغيير موازين القوائم الفائزة في الانتخابات، لاسيما ونحن نتحدث عن أطراف سياسية تؤثر التحالفات تأثيرا كبيرا في آرائها السياسية، ونتيجة لذلك قد تصبح القائمة الفائزة في الانتخابات غير ذلك عند انعقاد مجلس النواب لأكثر من سبب إما لتحالف قوائم أخرى بتجمع واحد أو لأنسحاب بعض مرشحيها الفائزين عنها أو غير ذلك.
وهذا العامل السياسي وتأثيراته كما هو موجود بين اعلان النتائج وانعقاد المجلس كذلك متوفر – وقد يكون بشكل أقوى – بين الجلسة الأولى ومرحلة التكليف، ومن ثم قد تحصل خلال تلك المدة تحالفات من شأنها تغيير المعطيات السياسية لتأتي كتلة نيابية أكثر من سابقتها، ومن ثم أيهما المعنية بتشكيل الحكومة: تلك التي أصبحت مقاعدها أكثر في الجلسة الأولى أم التي صارت هي الأكثر بعد ذلك، كل الأمور تشير إلى أن الأخيرة هي المعنية بتشكيل الحكومة إلا ان المحكمة قد جعلت ذلك للأولى حتى في ظل وجود كتلة أكثر منها لحظة التكليف، ليس إلا أنها كانت الأكثر عددا في الجلسة الأولى، وهذا في الحقيقة تحديد ليس له أي أساس في الدستور وإنما هو إضافة من المحكمة لا تسمح لها وظيفتها التفسيرية بذلك.
3- إن المحكمة قد ناقضت نفسها عندما قضت بأن: ” تطبيق المادة 76 من الدستور يأتي بعد انعقاد مجلس النواب… وبعد انتخاب مجلس النواب في أول جلسة له رئيساً للمجلس ثم نائباً أول ونائبا ثانيا له… بعدها يتولى المجلس انتخاب رئيس الجمهورية … وبعد ان يتم انتخاب رئيس الجمهورية يكلّف وخلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخابه مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء”.
في حين قضت في آخر فقرة من حكمها بأن: ” يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا”.
والتناقض واضح بين الأمرين فكيف يكون تطبيق المادة (76) بعد كل هذه الاجراءات وفي الوقت نفسه قبلها؟
فعبارة (الكتلة النيابية الأكثر عددا) هي واحد من أهم ما جاءت به المادة المذكورة من أحكام، بل هي المفتاح للشروع بتطبيق تلك الأحكام، وهي بذلك جزء لا يتجزأ من المادة (76) ولا يمكن عزلها عنها بأي شكل من الأشكال، وبالتحديد من ناحية وقت التطبيق ما دام الدستور لا يسمح بذلك.
وينتج عن هذا الارتباط وجوب فهم هذه العبارة والتأكد من مصداقها في مجلس النواب خلال المدة التي تطبق بها المادة (76)، والأخيرة – كما اتضح سابقا – لا يشرع في تطبيقها إلا بعد استكمال الاجراءات التي حددها الدستور، وأشارت لها المحكمة، وعرضناها آنفا.
ولذلك فإن تحديد مصداق “الكتلة النيابية الأكثر عددا” في الجلسة الأولى وقبل تطبيق المادة (76) نجده تناقضا من المحكمة في ظل التبعية غير القابلة للانفكاك بين العبارة محل التفسير، والنص الدستوري الذي احتواها الأمر الذي يوقعنا في حومة تفتيت الوحدة العضوية للنص وأجزائه بشكل يهدد المعنى الذي قصده المشرع الدستوري، والحكمة التي دعته إلى هذا التنظيم، كل ذلك في ظل البون الشاسع بين الوقت الذي حددته المحكمة لتحقق معنى الكتلة النيابية الأكثر عددا (الجلسة الأولى) والوقت الذي يأتي بعد ذلك لتطبيق المادة (76).
وفي الحقيقة إن ما ذهبت إليه المحكمة قد يجعلنا في المستقبل أمام اشكالية عندما تتنازع كتلتان أو أكثر حول أحقية كل واحدة منهن في تشكيل الحكومة، ونحن نقول كتل وليس قوائم. فقد يحدث أن القائمة (س) هي الكتلة النيابية الأكثر عددا في الجلسة الأولى، وقد تحصل اتفاقات بعد الجلسة الأولى وتصبح كتلة (ص) هي الأكثر وقد يصل الأمر إلى تكوين كتلة نيابية جديدة أكبر من الكتلتين السابقتين، فأيهما أحق بالتشكيل؟ في الحقيقة إن الأخيرة هي المعنية في النص الدستوري طبقا للايضاح المتقدم.
وهذا ما خالفته المحكمة عندما جعلت الفيصل في ذلك هو الجلسة الأولى لمجلس النواب وليس في الدستور ما يشير إلى ذلك كما نوهنا سابقا.
لذلك فإن الكتلة النيابية الأكثر عددا هي الكتلة التي تتوافر فيها هذه الصفة عندما تبدأ مرحلة التكليف وهي مدة الخمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، أو بتعبير أدق في اللحظة التي يمارس فيها رئيس الجمهورية اختصاصه في تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء.

*أستاذ في القانون الدستوري