إعمار المناطق المحررة من داعش

سرى فوزي الخفاجي
يتصدر التحدي العمراني لإعادة إعمار المدن التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، أجندة الموازنة العامة للدولة العراقية والحكومة العراقية لأن هذا التحدي يتطلب موارد هائلة ويحتاج الى الكثير من الوقت.
في الوقت الراهن، معظم الاهتمامات منصبة على دور لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية المعنية بملف اللاجئين والنازحين واقامة مخيمات ايواء ولم نلحظ وجود أي دور لوزارة الاسكان والاعمار المعنية بقيادة أية عملية مفترضة لتأهيل البنى التحية وتأهيل عمران المدن المحررة، كما أن وزارة التخطيط العراقية لا تزال لم تطرح ستراتيجية واضحة لإعمار هذه المدن ولا يوجد اي سقوف زمنية لهذا الملف ولم نلحظ أي مشروع حقيقي لذلك.
ووفق احصائيات تقريبية، فإن اعادة اعمار مدينة الرمادي، غرب العراق والتي حررت في نهاية العام 2015 قد تتجاوز 2 مليار دولار على فترات زمنية متتالية، كما أن اعمار مدينة تكريت والتي حررت قبل الرمادي من العام نفسه، قد يتطلب رقماً أقل من رقم الرمادي بقليل وبالتالي لا تستطيع موارد الدولة العراقية تلبية احتياجات الاعمار في هاتين المدينتين نظراً للعجز في الموانة العامة الذي يبلغ 20 مليار دولار اضافة الى أعباء انخفاض سعر برميل النفط وارتفاع تكاليف الميزانيات العسكرية بسبب الحرب على الارهاب.
المهم في مسار اعمار المدن المحررة هو ما ينتظر الحكومات العراقية المقبلة من اعمار مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة بغداد والتي حصلت على نصيب كبير من الدمار لأن الارهابيين كانوا يتخذونها معقلاً لهم واستماتوا للاحتفاظ بها و بالتالي اعمار هذه المدينة قد يطرح أرقاماً لا يمكن تصديقها وهي عبء ثقيل للغاية على الاقتصاد العراقي الذي لا يملك اصلاً دفعات قوية من السلع الصناعية والزراعية التي يمكنها أن تمد خزينة الدولة بموارد مهمة للاعمار.
في الواقع، لا تزال المدن المحررة من سيطرة داعش تعاني من بطء عمليات رفع الأنقاض وهي خطوة ضرورية تسبق أي عملية اعادة اعمار لأنه يجب وضع تقييم ميداني لحجم الدمار في هذه المدن ليتسنى بعده وضع خطط عمرانية فعالة. كما أن الحكومات المحلية في هذه المدن المحررة تبدو بعيدة الى حد كبير عن وضع دراسات يقوم بها معماريون لاستكشاف طبيعة الأعمال العمرانية التي لها أولوية وكيف يمكن صياغة مشهد معماري ومشهد حضري جديد في هذه المدن.
في علم النفس المعماري، تحتاج هذه المدن المحررة الى مشهدين معماري وحضري لكي لا تكون عمليات اعادة البناء والاعمار مجرد عملية تقنية وبالتالي يجب أن تخضع هذه العمليات لاعتبارات نفسية معمارية تحاكي السكان العائدين اليها بطريقة ايجابية لمواجهة الظروف التي مروا بها خلال احتلال داعش وبطشه لا سيما النساء والأطفال الذين تأثروا أكثر من غيرهم من الفئات الاجتماعية بأذى داعش وقيمه المتطرفة العنيفة.
وفي منظور الحداثة، نعلم جيداً أن المدن التي جرى السيطرة عليها من قبل داعش ثم حررت، كانت بعيدة تماماً عن العمارة الحديثة وأساليب العمران الذكي وبالتالي يجب التفكبير كأمر واقع بتجديد عمران هذه المدن المحررة في أي خطط اعمارية لكي تبدو كمدن عصرية لأن هذا العامل قد يكون ضرورياً لجلب استثمارات خارجية في المستقبل لأن رؤوس الأموال تميل الى المدن الحديثة في عمارتها بعد استباب أمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي بالطبع.
كما لا يمكن تجاهل أن المدن المحررة من داعش في غرب وشمال العراق، هي مدن لها مواصفات صناعية وسياحية وزراعية ويجب مراعاة كل هذه المزايا في خطط النمو العمراني وفي جمالية المشهدين المعماري والحضري.
وفي منظور علم الاجتماع المعماري، يجب أن نضع خططاً عمرانية للمدن العراقية المحررة من احتلال داعش تخاطب نظام السلم المتوقع أن يسري بين مناطق هذه المدن وهي مختلفة المذهب والقومية والدين، فإضافة الى النمو العمراني المتوازن لهذه المناطق، على التخطيط الحضري والمعماري أن يضع أسس وملامح المدن التي تؤمن بالعيش المشترك.