أميركا بين سوريا والعراق؟

سميح صعب*
التنف خط آخر يضاف إلى الخطوط الحمر التي وضعتها الولايات المتحدة أمام الجيش السوري وحليفيه روسيا وإيران. هذا ما يفسر قيام المقاتلات الأميركية بالإغارة الخميس على قافلة تضم مقاتلين موالين لدمشق لدى محاولتهم التقدم في جنوب شرق سوريا في إتجاه معبر التنف الحدودي الذي يشكل نقطة إلتقاء للحدود السورية – العراقية – الأردنية.
والحجة التي أوردها وزير الدفاع الأميركي لتبرير قصف القافلة، كان اقترابها من التنف حيث تقوم بالقرب منه قوات أميركية خاصة وبريطانية بتدريب فصيلي “مغاوير الثورة” و”جيش أسود الشرقية” السوريين المعارضين. وهذان الفصيلان هما من بقايا “الجيش السوري الحر” و”قوات سوريا الجديدة” التي سبق أن دربها الأميركيون بهدف السيطرة على الحدود السورية-العراقية إنطلاقاً من التقائها مع الأردن، لكن “قوات سوريا الجديدة” تبين لاحقاً أنها غير قادرة على القيام بالمهمة لا سيما بعدما تكبدت خسائر كبيرة إثر محاولة إنزال قبل أشهر في إحدى مناطق البادية السورية. وبعد ذلك أسس الأميركيون فصيلي “مغاوير الثورة” وجيش أسود الشرقية” وعملوا على تدريبهما وتسليحهما للقيام بالمهمة التي كانت يفترض بـ”قوات سوريا الجديدة” أن تقوم بها.
الهدف الرئيسي الذي يضعه الأميركيون نصب أعينهم هو منع الجيش السوري مجدداً من الوصول إلى الحدود العراقية من أي نقطة كان. وفي الحسابات الإستراتيجية تعتبر واشنطن أن عليها منع التواصل البري بين سوريا والعراق، وذلك لقطع الطريق على إمكانية قيام إيران بتوفير الإمدادات للقوات التابعة لها في سوريا ومنها استطراداً إلى لبنان. وبما أن المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة هم الذين يسيطرون على الحدود البرية في شمال شرق سوريا، فإن أميركا تمكنت بذلك من قطع الطريق أمام الوصل البري بين سوريا والعراق من جهة القائم وتلعفر، ولم يتبقَ أمام إيران في اعتقاد الأميركيين سوى محاولة الإمساك بالحدود من المنطقة المقابلة لمعبر التنف. ولذلك حرص وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في معرض تبريرة لغارة الخميس بأن المستهدف كان “قوات تقودها إيران”.
والمنطقة الحدودية من التنف شمالاً نحو عمق البادية السورية هي منطقة يمسك بها تنظيم “داعش” الإرهابي وصولاً إلى شرق حمص ومنها إلى دير الزور. وتعمل أميركا على دفع فصائل سورية مدعومة منها للسيطرة على هذه المنطقة إنطلاقاً من الأردن وبدعم جوي من الإئتلاف الدولي على غرار ما يحصل مع “قوات سوريا الديمقراطية” المؤلفة بشكل أساسي من “وحدات حماية الشعب” الكردية التي يوفر لها الائتلاف دعماً جوياً في اندفاعها نحو مدينة الرقة لتحريرها من “داعش”.
وإذا ما تم للولايات المتحدة ما تريد، فإنها تكون بذلك قد أمسكت بالحدود السورية – العراقية كاملة وتالياً جعلت شمال وشرق وجنوب شرق سوريا جغرافيا تحت إشرافها، مع ما يعني ذلك من تقسيم سوريا إلى منطقتي نفوذ، واحدة تمتد على طول الساحل مع دمشق وحمص وحماه وحلب أو ما يعرف ب”سوريا المفيدة” تخضع للنفوذين الروسي والإيراني، وما تبقى من منطقة الجزيرة بمحاذاة الحدود السورية – العراقية وصولاً إلى الأردن تخضع للنفوذ الأميركي، سواء عبر وجود الجيش التركي في شريط في شمال سوريا أو عبر المناطق ذات الغالبية الكردية. هذه الخريطة العسكرية – السياسية هي التي تحاول الولايات المتحدة جعلها قائمة بحكم الأمر الواقع. لكن الميادين في سوريا على مدى السنوات السبع الماضية، كانت متحركة. وهناك الكثير من المناطق الستراتيجية التي تمكن النظام بدعم روسي وإيراني من استعادتها ولا سيما الشطر الشرقي من حلب في أواخر العام الماضي بعدما كانت المعارضة قد سيطرت عليه لأكثر من أربعة أعوام. والجدير بالملاحظة هو عمليات إجلاء مسلحي المعارضة من بلدات واحياء تحيط بدمشق، سواء عبر الضغط العسكري أو عبر ما بات يعرف بالمصالحات.
ويشير ذلك إلى أن الخطوط الحمر في سوريا خاضعة لموازين القوى قبل كل شيء وللتحالفات الإقليمية والدولية. وحتى الآن لا شيء يشي بأن “الحدود” السورية ثابتة أو هي في طريقها نحو صيغة نهائية.
ومن المؤكد أن سقوط “داعش” ستترتب عليه إعادة رسم لخطوط الميدان. ومثلاً ماذا سيكون عليه موقف الولايات المتحدة إذا ما واصل الجيش السوري اندفاعته من ريف حلب الشرقي إلى داخل الرقة؟ هل ستقصف المقاتلات الأميركية الجيش السوري وترسم له خطاً أحمر في الرقة مثلما حصل في التنف؟ وماذا عن دير الزور في حال تمكنت القوات النظامية من تحرير المدينة، هل ستمنع اميركا أيضاً الجيش السوري وحلفائه من الإندفاع نحو دير الزور لانها وفق التقسيم الستراتيجي تقع ضمن النفوذ منطقة النفوذ الأميركي؟.
التساؤلات أكثر من ان تحصى، ووحده الميدان المتحرك كفيل بالإجابة عليها.

*كاتب وصحفي لبناني