حريم السلطان الأميركي
د. لينة بلاغي
لقد ترقب العالم اجمع لا سيما سكان ما يعرف بالشرق الاوسط الزيارة “التاريخية” للرئيس الاميركي دونالد ترامب الى المنطقة في اجندة قد لا يكون من المبالغة القول بانها تاريخية ستراتيجية إقليميًّا وعالميًّا، وتقتضي تضافر الجهود بين المملكة العربية السعودية بما تمثله من ثقل عربي – سني و”اسرائيل” الحليف والقاعدة الاميركية الاكثر ثقة في الشرق الاوسط من وجهة نظر ترامب والادارات الاميركية عموما، وروما بثقلها الغربي – المسيحي. سبقت الاعلان عن هذه الزيارة “التاريخية”، قمة امريكية – تركية، تليها قمة تجمع تركيا – الناتو وقمة تجمع بين تركيا – الاتحاد الاوروبي
اشير فيها الى انها ستحدد مستقبل العلاقات بين تركيا والغرب بشكل عام ولا سيما بعد التوتر الثلاثي الابعاد الذي طال العلاقات التركية مع العالم الغربي كما حصل عشية الاستفتاء التركي على توسيع صلاحيات الرئاسة.
ان التحول النوعي في العلاقات السعودية – العربية – الاميريكية بدأ عشية القمة العربية التي عقدت في الاردن ، وما سبقها وتبعها من اشارات على مستوى العلاقات العربية – العربية او التركية – العربية والاهم الاميركية – العربية .
على المستوى العربي، شكلت القمه العربية في الاردن تحولا او اشارة الى تدارك العرب السائرين في المحور الاميركي الازمات وعدم التناغم الذي شاب المحاولات السابقة لتشكيل حلف عربي – سني لمواجهة ما يعتبرونه تحديات (ايرانية) محدقة في المنطقة.
فهذه مصر ترجح الخيار العربي في الحكم القضائي بالجزر (تيران وصنافير) وهذه السعودية ترفع حصارها الاقتصادي عن مصر ، وها هي الدول العربية في شمال افريقيا تحصل على تفويض للتدخل في حل الازمة الليبية بالاضافة الى الامارات العربية المتحدة وهي امور تزامنت مع ارتفاع اصوات الآلة العسكرية والعتاد في الاردن بمحاذاة الجنوب السوري ، ليتم التفاوض لاحقا بين اميركا وروسيا في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى اميركا في الشهر الجاري، والتوافق على تهدئة هذه الاصوات في الجنوب السوري في انتظار ما ستحمله مخاضات شمال سوريا.
في خضم القمة السعودية – الاميركية والامريكية – العربية والاسلامية ، لنسترجع بضع كلمات لثعلبي السياسية الاميركية ومنظريها في العهدين الديمقراطي والجمهوري برجنسكي وكيسنجر، لما تقتضيه شعارات المرحلة السابقة في السياسات الخارجية الاميركية، ايهما يجب ان نختار “ايران ام تركيا”؟، وكلاهما يقدمان نموذجا لعملية ديمقراطية في طور النمو! كانت مفاضلة دغدغت عقول الكثيرين في المرحلة السابقة. وجاءت الانتخابات الاميركية الاخيرة لتقلب مختلف الموازين، ولتفتح صفحة جديدة من السياسات الاميركية بناء لما تقتضيه المتغيرات الدولية والاقليمية الهائلة، وكأن عهد الوعود قد مال مجددا الى العرب، ووضع التركي والايراني ومعهما الديمقراطية الواعدة على مشرحة الشرق الاوسط، فبعد احتلال العراق وتمزقه والصراع في سوريا لم يبق في معادلة الشرق الاوسط من ينافس على دور كبير باستثناء تركيا وايران المرشحتين للتقسيم والابعاد عن هذا الشرق.
وفيما ركزت القمة السعودية الأميركية على تعميق العلاقات الثنائية ولاسيما الاقتصادية منها ذات الاتجاه الواحد لصالح السلطان الاميركي، ما يعني انه يتعين على المملكة تسديد فواتير وعود ترامب المرتقبة للاميركيين ، فان القمة الخليجية – الأميركية عنت بتكفل ملف ايران تحت ذريعة “مواجهة السلوك العدواني” في المنطقة، و”سبل ردعها”، إضافة إلى ملف “مكافحة الإرهاب “ بعدما انتهت مهماته في انهاك عدد من الدول العربية والاسلامية وحتى الروسية، وطبعا هناك ملف “الجماعات المتطرفة” وهي الهدية التي سيتوجه بها ترامب في مقدمة زيارته “لاسرائيل”.
اي اعتراف رسمي خليجي ممهور بتوقيع عربي – اسلامي بشرعية كيانهم و”تطرف” من يقف في وجههم وما تبقى من المجموعات التي لم تتقبل بعد التقلبات الاقليمية والدولية السياسية والقيمية.
وفيما تعتبر القمة الخليجية – الامريكية حفرا من تحت اقدام ايران وما يعرف بخط المواجهة ، فان القمة الإسلامية – الأميركية ادت الى الحفر لطموحات كل من مصر وتركيا الطامحتين للعب دور قيادي في المعادلة الشرق اوسطية ، وتفعيلا للحلف “الاسلامي” الذي ستتلخص مهامه بتقديم الجند الإسلاميلمكافحةالإرهابالاسلامي ! وفقا لاجندة المملكةوبمباركة السلطان الامريكي ، الى جانب كونها صك براءة للادارتين الامريكية والاسرائيلية من دماء المسلمين “ ممن قضى وممن سيقضى “ على اختلاف انتماءاتهم المذهبية ، قد يرفعها السلطان الاميركي لبابا روما خلال زيارته المرتقبة، كلها تحت عنوان “أن الولايات المتحدة لا تقف ضد الإسلام”!
فيما يتعلق بايران، فانه على الرغم من فكرة المؤامرة التي يسوق لها بعض المسلمين العرب حول امكانية تواطؤ ايراني – اميركي ، لضرب المسلمين السنة!!، ويكفي اسقاطا لهذه الافكار النظر قليلا لخارطة التواجد الاميركي وحلفائه المعادين لهذه الدولة، لادراك عمق الهجمة الشرسة التي تتعرض لها هذه الدولة، دون ان يعني ذلك ان النظام الايراني لم يخطئ في رسم سياساته في بعض المراحل. فيما يتعلق بزيارة اردوغان واجتماعه بالرئيس الاميركي.
في الشهر الجاري وقممه المرتقبة مع الاتحاد الاوروبي والناتو، فانه على الرغم من الدعم الذي اطلقه ترامب لتركيا في مواجهة تنظيمي داعش والبي كي كي، الا انه وكما توقع العديد من المحللين المتابعين للشأن التركي – الاميركي اعتمد ترامب الحلول الوسط، فدعم الاميركي حسبما اعلن “تركيا في حربها ضد داعش وبي كي كي الإرهابيين” مع وعد بعدم ترك “مناطق آمنة لتلك التنظيمات الإرهابية، الا انه غمز من جهة اخرى بانه لن يتراجع عن دعمه للاكراد في شمال سوريا حين اشار” لضرورة دعم كافة الخطوات الرامية لتخفيف حدة العنف ودعم مساعي إحلال السلام في سوريا”.
الامر الذي من شأنه ان يعرقل اية مساع تركية على خطي الناتو والاتحاد الاوروبي ، اذ ان ترامب تمكن من اضعاف وتجميد ورقة تركيا في وجهيهما، اي التهديد بالتحول الى روسيا والصين ، مع استمرارية المخاطرة في موضوع اللاجئين عبر تركيا الى اوروبا وهي ورقة الضغط التركية الثانية على اوروبا، ما يعني ان ما يشبه سياسة المراوحة في المكان ستكون الغالبة على القمم التركية على عكس القمم المقررة في العالم العربي بقيادة سياسية ومالية سعودية. ما ستتجرعه تركيا حاليا ستتجرعه بصعوبة ولا سيما اذا لم تتمكن من حل ازمتها السياسية مع
مصر .
يتعجل السلطان الاميركي بحل الملفات العالقة في الشرق الاوسط وخارجه ، ربما لكثرة التحليلات المتعلقة بالازمة الاقتصادية الكبرى المرتقبة على غرار بل ولربما اوسع بكثير من ازمة 2008 ، والمرشح بدايتها هذا العام، متعلقا بنزعته لنظام دولي على مقياسه او دولته العالمية، مرحلة مفتوحة على مختلف الاحتمالات.
لكن دون ادنى شك ستكون مرحلة صعبة وشرسة ستسقط فيها رؤوس وتتغير فيها حدود ومعايير اقليمية ودولية، يأتي ترامب الى المنطقة كالراعي او القصاب يطعم الخراف ليبيعها او ليذبحها في العيد، يخص كل خرافه بعنايه خاصة، من خلال حفاوة الاستقبال للسعودي والاردني والتركي في البيت الابيض وصولا الى تخصيصه السعودية كاول بلد على غير المتعارف عليه اميركيا لزيارته الاولى، فهل حل العيد يا مسلمين!؟.