شهادة للتأريخ بحق العبادي

مظهر محمد صالح
صار من حقي اليوم ان افصح عن وجهة نظري في امر جوهري لم يخرج في مضمونه واساسياته من قيد التصدي لعقبتين رئيسيتين واجهتا البرنامج الاصلاحي للدكتور حيدر العبادي منذ اعلانه في (9 اب 2015)، فالعقبة الاولى مثلتها الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد وجسدها الاٍرهاب الداعشي..
والثانية وهي الأزمة المالية والاقتصادية الحادة التي ضيقت سبل الحياة والنماء في العراق .
واذا ما أضفنا الأزمة السياسية والانقسامات المستمرة في الديمقراطية السياسية، فإنها ستكون عقبة ثالثة وهي من اشد العقبات غموضاً وتعقيداً.فلم يبق امام الرجل الذي قاد معركة الحرب باستبسال ونكران ذات عالي سوى مسار واحد في تطبيق برنامجه الإصلاحي وهو التغيير الراديكالي لمواجهة القيود المكبلة للاصلاح ومواجهة القرارات الصعبة في التحول الجذري بالنظام السياسي الدستوري نحو محاور اليسار الراديكالية وهو ما أطلقتُ عليه شخصياً في اجتماع 7/اب/2015 (بالشرعية الثورية )؟ ولكن ظل التساؤل الذي علا كل شيء يلخصه المسار الآتي :انه في زمن ادارة الحرب وادارة الصعاب والندرة الاقتصادية هل يصح الانقلاب الدستوري على الديمقراطية البرلمانية بتبني مناهج العالم الثالث الشديدة الراديكالية و التي سادت في القرن الماضي كموديلات استثنائية في أدارة السلطة والحكم في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وانتهى معظمها الى الفشل؟ فالسير بالنظام السياسي صوب الغاء المباديء الدستورية التي جاءت بها صناديق الناخب الديمقراطي، ظلت من التابوتات او المحرمات التي تمسك بها رئيس الوزراء كمبادىء للعمل الوطني الديمقراطي ونهضته الإصلاحية في مسار شديد التعقيد ومحفوف بالقيود والتحديات.
وهكذا بينت النتائج السياسية لهكذا مخاضات في مسيرة الاصلاح شكلاً جوهرياً تمحور على اهميةً وحدة البلاد بعد تحريرها من الارهاب والحفاظ على الافق الديمقراطي في مرتسم بناء مستقبل الامة العراقية والتطلع الى الإعمار والبناء في مرحلة الاقتصاد السياسي للسلام التي نعيشها اليوم.
لقد استمزجت تلك المباديء في الظروف الصعبة والقاسية وقبل تحرير الموصل ادوات عملها بفاعلية ونكران ذات عاليين، الزمت الجميع ممن هم في ادارة الدولة بتوخي الدقة وتجاوز الحسابات غير المضمونة التي هدد بها الارهاب الداعشي وهو يمسك وقت ذاك بنحو 40% من جغرافية العراق.
ايقنتُ يومها وفي مناخ ديناميكي شديد التعقيد ان الدكتور حيدر العبادي هو زعيم سياسي واسع العقلانية في ترتيب اولوياته في ادارة شؤون الدولة المدنية والعسكرية وهو يتحدى قيدين كبيرين وهما :الاصلاح والحرب على الارهاب، فهو ليس برجل انقلابات سياسية او طامح بالسلطة او التفرد بها، فهو من طراز الزعامة السياسية التي وُلدت من رحم الديمقراطية وعاشت آمالها وتطلعاتها وحافظت على هويتها ،على الرغم من هشاشات تلك التجربة ومشكلاتها في بلد لم يعتد الديمقراطية لعقود طويلة وله سجل حافل بالحكم الفردي.
لقد تمسك الدكتور حيدر العبادي كزعيم وطني نادر بالديمقراطية وقاد مبادؤها بدائرة واسعة من المسؤولية والشجاعة وتحمل مشاقها وميادينها العملية الشائكة سواء العسكرية منها اوالمدنية لكي يحقق فكرة التداول السلمي للسلطة بالادوات الديمقراطية نفسها وعلى وفق الدستور.

وهكذا اثبت الانموذج السياسي العراقي قدرته في اخذ دوره بنقل الديناميكية السياسية والحفاظ على ديمومتها وبنجاح وهدوء عاليين وتحويلها من محن الارهاب الى إدامة الانتصار بالحرب وتخطي الصعاب الاقتصادية والوصول بالبلاد الى نطاق وحدتها وحفظ سيادتها وكرامة شعبها كمنهج (تغيير) دون التخلي عن المباديء (الاصلاحية الديمقراطية).
انه رجل عاش مرحلة مابعد التحرير ليرسخ فلسفة الانتقال السلمي للسلطة، ومارسها حقاً بشجاعة القادة العظام قولاً وعملاً، وبهذا سجل التاريخ الوطني للعراق ان الدكتور حيدر العبادي ظل زعيماً سياسياً وطنياًورجل دولة من الطراز الحازم – الهاديء وحمل بشجاعة الرجال غصن السلام والديمقراطية في سلة واحدة، وبصيرة سياسية نادرة لم تعهدها دول العالم الثالث الحديثة في متبنياتها للديمقراطية البرلمانية والانتقال السلمي للسلطة والحفاظ على تداولها.
عاش العبادي مناضلاً مدافعاً عن مبادئه السامية خلال سنوات العراق الصعبة الماضية وجنب البلاد دروب رسمتها خرائط الحرب الدامية ليضع العراق على مسارات السلام وإدامة الديمقراطية وهو يمسك في الوقت نفسه بوحدة العراق من اجل رفاهية شعبه وازدهاره.
ختاماً،وكشاهد على التاريخ ، فقد جسد الدكتور حيدر العبادي (عندما نصف الزعامات السياسية العراقية) شخصية المناضل الافريقي نيلسن مانديلا، ولكن في قارة أُخرى هي :آسيا الديمقراطية.