وطن لم يبلغ الرشد

محمد السيد محسن*
على الرغم من سنينه التي تجاوزت سبعة آلاف، وعلى الرغم أن فيه السومريين وهم الوحيدون على وجه البسيطة لا يعرف لهم أب لحد الآن لأن هم الآباء المؤسسون للإنسانية، إلا أن العراق ما زال لم يبلغ الرشد وفق الحسابات السياسية والاقتصادية والاكتفائية.
وعلى الرغم من أن العراق الحديث هو من الدول الأولى التي دخلت إلى المعترك السياسي العالمي من خلال عضويته في عصبة الأمم عام 1932 حيث تم تسجيل العراق الدولة 67 في أكبر تجمع لدول العالم. إلا أننا وبعد كل تلك الأعوام ما زلنا نبحث عن الدولة، فقد روج الاحتلال عام ٢٠٠٣ إلى مفهوم العملية السياسية “Political Process” … والتصق بها ساسة العراق بعد الاحتلال فضاع مفهوم الدولة وحل محله “العملية السياسية” وبات عدو الدولة والوطن عدوا للعملية السياسية وبات الخائن للوطن خائناً للعملية السياسية وبات المتآمر على الوطن والدولة متآمراً على العملية السياسية.
وبسبب تلك العملية التي للأسف لم تكن قادرة على إنجاز الدولة ما زال وطننا قاصرًا ولم يبلغ الرشد.
الوطن القاصر هو الذي يحتاج أوطاناً أخرى كي تزوده بالغذاء والبلاستيك والسيراميك وقطع غيار كل حاجاته الصناعية
الوطن القاصر هو الذي لا يستطيع أن يقرر دون أن يأخذ رأي أوطان أخرى.
الوطن القاصر هو الذي لا يجرؤ أن يضع وزيراً في مكانه دون أن يتعرف على وجهة نظر أوطان أخرى.
الوطن القاصر هو الذي يأكل أبناؤه مما يزرعه أبناء أوطان أخرى ويستخدم ما يصنعه له أبناء أوطان غير وطنه
متى يبلغ الرشد العراق؟
ربما أنه سؤال قاسي لا يتسم بخلق الوطنية إلى حدٍ ما، لكنه يدعم صدمة الواقع ويوقع الواهمين برشدهم في فخ الطفولة.
إنها صيرورة الخلق يتسم بها الإنسان ووطنه على حدٍ سواء، والوطن الذي يبلغ إبداع أبنائه يبلغ هو من خلالهم.
نتساءل متى يفكر أصحاب القرار مثلما نطمح كعراقيين حيث نبحث عن وطن يتبارى كباره لخدمته قبل صغاره؟ إنها مفارقة أن نطالب أصحاب المناصب ومن يبحثون عن مجد الكرسي أن يتركوا الآخرين يبلغون فينافسونهم في الوطن.
وفق النظرية البراغماتية لمكيافيللي فإن الطغاة يبحثون عن دنو الآخر كي يبقوا هم في العلا، ومرة أخرى نتساءل هل ما زلنا نعاني من طغاة ونحن ننتج خدام الشعب من خلال صناديق الاقتراع!!
وطن كل ما فيه محير
وكل من فيه محتار
وأجل ما فيه حيرة ابنائه وتساؤلاتهم متى يكبر الوطن فنكبر معه؟
تخيلوا معي إن الذين قالوا بأنهم فوضوا عبد المهدي صدقوا بوعدهم وتركوا الرجل يختار دون تدخلاتهم، سنكون حتمًا قد وطأنا الخطوة الأولى لنبلغ الرشد. لكننا وبفضل المتشبثين والمتدخلين والمتغانمين ما زلنا صغاراً، وبعد كل سنوات اربع، نمجد صغرنا لنصنع بالغين مكررين كي نتعرف دائماً على حجمنا الذي نخشاه، ومن خلال أزمة حجمنا نبكي على وطن لم يبلغ الرشد بعد.

*رئيس التحرير