حكومة “هايبرد”

محمد السيد محسن*
شاع بالآونة الأخيرة استخدام سيارات “Hybrid” وهي تقنية جديدة لتوفير الطاقة وترجمتها للغة العربية “الهجين” أي أن محرك السيارة يتم تشغيله مرة من خلال بطارية إضافية تعمل بالكهرباء، مرة حسب التشغيل الميكانيكي المعتاد كما هو في السيارات المتعارف عليها.
اليوم لدينا حكومة هجينة فلا هي حكومة من اختيار الأحزاب كما هي في المرات السابقة، ولا هي من اختيار رئيس الوزراء بشكل مباشر.
والأحزاب، أيضاً تدخلت في وزارات، وتركت أخرى لرئيس الوزراء، ورئيس الوزراء اختار بعض وزرائه وترك آخرين لسلطة الأحزاب.
هذا يعني أن العملية الديمقراطية في العراق تعمل بشكل هجين أيضاً، فلا تعطي الحق للفائز بأن يكمل تشكيل حكومته والاحتكام إلى البرلمان لتمريرها بالسياق الديمقراطي، ولا تترك الأحزاب كي تتصرف بشكل كامل في التوافق وتضرب رئيس الوزراء عرض الحائط.
وحين يحاول رئيس الوزراء أن يمارس صلاحياته في اختيار كابينته الوزارية، يهدد بعدم الذهاب إلى البرلمان، فهو حازم في هذا الأمر وقوي وشجاع، وقد أثبت أنه بهذه الأوصاف التي كانت شرطًا لتكليفه، إنه بالفعل حازم وشجاع يقول إنه لن يدخل البرلمان ما لم تتفق الكتل على مرشحيها!!. نعم مرشحيها لا مرشحيه!!
بل أن الديمقراطية في العراق تطورت حتى أصبحنا اليوم نعيش حالة التضاد في الوزارات، فتمرير وزارة الداخلية “الشيعية” مشروط بتمرير وزارة الدفاع “السنية”، ووزارة العدل “الطالبانية” مشروط بتمرير وزارة الهجرة “البارزانية”…… وهلم جرا.
وما هو أنكى من ذلك إن بعض المرشحين أصبحوا تابعين إلى أحد أعضاء البرلمان أو احد رؤساء الكتل وليس مرشحا عن الكتلة السياسية، حتى أصبحنا نسمع إن وزير الصناعة مرشح أبو مازن وإن وزيرة التربية مرشحة خميس الخنجر، ووزير الدفاع مرشح علاوي، ولن يبدو غريبًا أننا بدأنا نسمع عن الأخير بأنه يعرض المنصب للبيع، وبالتالي فهو يعرض الوزير في سوق النخاسة الديمقراطية.
وتبقى الطامة الكبرى أن يتم تقديم شخص لمقاسات منصب ما، فلا بديل للفياض إلا الفياض، علمًا بأن الرجل لم يكن قد دخل قبلًا أي معركة في حياته ربما هو اطلع على سير بعض المعارك العشائرية بحكم كونه يساهم في حل بعض المشكلات العشائرية باعتباره شيخ عشيرة وليس له تحصيل علمي استخباري أو عسكري، وحين يضيع المتشبثون به يدخل في خانة الفقرة السابقة وترد الأخبار بأنه مرشح المالكي كما هو فيصل الجربا مرشح علاوي.
وبدأنا نسمع إن حزبين كرديين لم يتفقا على مرشح منصب رئيس الجمهورية ففاز أحدهما على الآخر، فما كان من الآخر إلا أن قرر أن لا يأخذ الحزب الذي فاز مرشحه لرئاسة الجمهورية أية وزارة في حكومة عادل عبد المهدي. وأقصد بذلك الحزبين الكرديين الديمقراطي والاتحاد.
وحتى في المحافظات باتت السلطة HYBRID حيث بإمكانك أن ترى محافظًا يفوز بانتخابات مجلس النواب لكنه يفضل أن يبقى محافظًا، فهو محافظ وفي نفس الوقت هو نائب في البرلمان، وحينما تسأل عن وجهة نظره تأتيك الأخبار بأن شخصين يقفان وراءه ويجبرانه على عدم التخلي عن منصب المحافظ، وبالتالي فإنه أسير جهة ما يمثلها شخصان، ونقصد هنا محافظ البصرة أسعد العيداني، وما ترد من أخبار عنه إن أبو مهدي المهندس وآراس حبيب هما اللذان يقفان مع المحافظ ويرفضان تغييره.
إذن كل شيء في العراق Hybrid، وليس له صفة لازمة وليس له صفة ثابتة، كل شيء في العراق يحتمل التأويل ويقبل أن ينظر له بأكثر من وجه، كل شيء هجين ما عدا الفكرة الأساسية في قيادة بعض الأحزاب للمشهد السياسي، فهي وإن اختلفت تحالفاتها وتقدمت بعض شخصياتها أو تأخر البعض، إلا أن هذا سيبقى من الثوابت التي لا تتحمل التهجين.

*رئيس التحرير