حبل الكذب الطويل
محمد السيد محسن*
قالوا قديمًا: إن حبل الكذب قصير، وهو مثل يضرب لتأديب المكذبين وتحذيرهم بان الكذبة ستكتشف ولو بعد حين، وهذا الحين تم وصفه بالمثل باستخدام “قصير” ليفي بغرض التأديب.
ولكن الكذبة في العراق بعد عام ٢٠٠٣ باتت تنطلي على شخص او شعب او حكومة لمرة أولى، ثم تتكرر وتمرر ثانية وثالثة، فيكون حبل الكذب وقتذاك طويلاً مع سبق الغباء والتردد.
في عراق اليوم نجد كذباً مقدساً ويدعو لاستجابات مقدسة يروج له باسم الدين والعقيدة.
ونجد كذلك كذباً معسولاً بوعود محلّاة بالغد البهي ولكنه يتكرر دون تنفيذ ومع ذلك يجد من يصدقه.
كذلك هناك كذبٌ موسميٌّ بات شائعاً في مواسم تسبق الانتخابات واختيار الكابينة الحكومية، وهذا الكذب يعاد كل موسم ويجد من يستقبله ويتناقله على أساس التصديق
ثم كذب التضليل والتسقيط وهو الكذب الذي تمارسه حيوانات “إلكترونية” تابعة لكذّاب كبير، وهي اما ذباب او جحوش تنطق دفاعاً عن جهة او شخص ما.
وفي العراق أيضاً سياسيون يكذبون بوعود انتخابية ويستمرون بتكرار كذبهم، الأمر الذي يقتضي ديمومتهم في الكذب والتواصل دون رادع.
وتستمر احزاب بذات شخصياتها التي وعدت ولم تف بوعدها، وتستمر بتأثيرها على السذج “المصدقين”، الذين يدافعون عنهم وكأنهم الهةً نزلها الله لحفظ قسطاس الأرض ان يميلا.
وجوه لا تعبر عن مكنوناتها ويتعرف عليها شعب ولكنها تستمر بهذا التعبير بارادة تصديق الآخر لها، دون ردع اخلاقي ومجتمعي.
قوانين تكذب على مشرّعيها فلا تفي بغرضها، دون أية مراجعة جزئية او شاملة فيمتد حبل تأثيراتها السلبية دون قطع له، كما هو الحال في قانون بيع العملة والذي كذب به المشرعون بانه سيكون داعماً للاقتصاد الوطني، حتى تحول الى نزيف متواصل لأموال العراق، وتشكّى منه كل السياسيين المتخصصين وغيرهم من محبي الظهور أمام الكاميرات.
برنامج حكومي يكذب في قدرته على تحقيق وعوده، ومع ذلك تعاد ديباجة كذبه بأسلوب اخر بقيادة ذات النهج وربما الحزب ومع ذلك ليس للقصر اي وجود كي يكتشف الحبل المؤدي الى الكذبة، فلا رقيب ولا حسيب، ما خلا بعض التحاسد بين المتنفذين وأصحاب القرار حول مغانم السلطة، يعضّده تشجيع الهمج الرعاع الذين ينعقون مع الناعق الكاذب.
كل تلك الأمثلة لها علاقة مع الكذب المستدام والمتواصل دون معرفة اجل الحبل الذي يسير عليه.
وبالمقابل فان أمام هذا الكذب يتواجد مصدقون سذّج ومشككون غير قادرين عن الإفصاح عن شكّهم، ومقاومون يبحثون عن أصوات تقف معهم لفضح الكاذبين والوقوف ضد مساعيهم في التواصل، والهروب من العقاب.
ولكن الحقيقة القائمة والتي نعترف بها دون مواربة ان..
🚫. لا حبل للكذب طويل كان ام قصيراً ما لم يكن وراءه شعب مستكين، واحجية دينية مقدسة موهومة.
🚫. لا حبل للكذب طويل كان ام قصيراً ما لم يكن معتمداً على غباء منظومة منقادة لعمليات إلهاء وتجهيل.
🚫. لا حبل للكذب طويل كان ام قصيراً دون قبول بالذل والمهانة من قبل مطايا الفكر عبر وقوعهم ضحية ايديولوجية سائدة.
ومع كل ذلك ما زال حبل الكذب في العراق طويلاً ويتمدد.
ولم يحن الوقت للوقوف بوجه الكذب ومحاسبته لعدم وجود إرادة شعبية او قانونية لمعاقبته، ومن جانب اخر أيضاً، لعدم وجود إرادة اخلاقية تحكم أولئك الذين يمتهنون الكذب ويسوقونه لاستثمار اللحظة العراقية المرتبكة والإيقاع باكبر عدد من المصدقين السذج والجبناء المتورطين، والمكبلين بالفاقة والعقيدة.
*رئيس التحرير