قوانين فضائية

محمد السيد محسن
في الرابع عشر من شهر مايس من العام الماضي حدثت جلبة كبيرة في البرلمان العراقي السابق حول عدد المستشارين لرئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري وبأثرها أخذ المجلس على عاتقه تشريع قانون يحدد آليات تعيين المستشارين في مجالس الرئاسات الثلاث ومسؤولي الدرجات الخاصة من رؤساء ونواب ورؤساء هيئات وسمي القانون وقتذاك بـ”قانون المستشارين”.
وبعد تعيين ثلاثة من “الخاسرين” بالانتخابات السابقة كمستشارين في مكتب رئيس الجمهورية، تم تداول القضية من جديد. رفض البعض وتغاضى البعض الآخر.
وكنت أجريت نقاشاً مع أحد النواب الحاليين من المعترضين على فوضى تعيين المستشارين حول قانون المستشارين الذي أقره مجلس النواب السابق والسبب بعدم العمل وفقه، لكنه فاجأني أن القانون لم يقر وإنما تمت مناقشته فقط.
لم أستند لذاكرتي لأنها ربما تخونني أحياناً لكنني توجهت مباشرة إلى المنقذ في هذه الملمات وهو السيد “Google” تبين أن هذا القانون صدر استناداً إلى أحكام البند أولاً من المادة 61 والبند ثالثاً من المادة 73 من الدستور. كما تبين أن كثيرًا من السياسيين كانوا قد تحدثوا عن إقرار هذا القانون، واستبشر الكثير منهم خيراً وبعضهم تحدث عن إنتصار برلماني كبير للحد من التعامل مع أموال البلد بصورة انتقائية، وإجبار بعض المسؤولين الكشف عن ذممهم “من المستشارين” وتحديد أي مسؤول بعدد معين منهم – المستشارين – لنكتشف بعد عام إن القانون كان فضائياً وإن حليمة لم تترك أصلاً عادتها ولا يصح وصفها بالقديمة لأن لا جديد لها.
من حقي أن اتساءل اليوم: كم قانون وهمي وفضائي أُبلغنا به ولم يقر؟
وكم تصريح وهمي صدر لتخديرنا وليس له وجود؟
تلك هي مأساة حقيقية أن لا رابط بين المشرع والمواطن، وتلك هي طامة كبرى في طريقة التعامل بين أصحاب القرار والمواطن، وتلك هي محاولات تبديد هواجس المواطن من خلال حقن خشيته بمورفين القوانين الوهمية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى تصريحات بعض النواب حول قانون المستشارين في أنه بوابة للفساد ولجم الآخرين واستدراج البعض من خلال راتب شهري يأتي وبشكل سلس وسهل عند نهاية كل شهر اعتماداً على صفقات سارية أو تكريمٍ ووفاءٍ لصداقة سابقة وما إلى ذلك من طرق تعيين المستشارين.
والحقيقة أن الطبقة السياسية أثبتت أنها لا تستشير إلا الموالي وصاحب ذات المشرب والإنتماء، وهذا بحد ذاته مشروع هروب للأمام من كل الأزمات التي أودت بالعراق إلى الهاوية طيلة الفترة السابقة.
تشترط المادة الثانية من القانون فيمن يعين بصفة مستشار أن يكون حاصلاً على الشهادة الجامعية في مجال اختصاصه، وأن يكون لديه خبرة لا تقل عن 15 سنة في مجال تخصصه، والأهم من ذلك أن يكون مستمراً في الخدمة.
ولدينا الحق اليوم وإن كان هذا القانون لم يفعل ولم يشرع بعد حسب بعض النواب أن نسأل رئيس الجمهورية عن ذمته من المستشارين: هل تنطبق عليهم أدنى شروط هذا القانون؟ بالطبع لا. والسؤال أيضا موجه لكثير من المسؤولين من أصحاب القرار في العملية السياسية الحالية، فإننا نعرف تمامًا وبحكم مهنتنا الصحفية الكثير ممن يحملون صفة المستشار هم بالحقيقة أصدقاء ورفاق درب وغربة لبعض أصحاب القرار كما أنهم لا يشارون ولا يشاركون في القرار ولا دراسته.
إن إستسهال بعض الوظائف في العراق يؤدي إلى مهلكة البلاد وتقريع أصحاب القرار وإرباك المشهد المعقد بالأصل.
نتمنى من النواب الذين علت أصواتهم أخيراً أن يربطوا كشف الذمم المالية بالذمم الإستشارية لدى كل صاحب قرار في العملية السياسية، كما نأمل منهم الضغط من جديد لإعادة هذا القانون من الرفوف العالية ووضعه فوق طاولة المناقشة لأننا سنكتشف كمًّا هائلاً من أموال العراق تذهب إلى تحويلات مصرفية لأناس يعشعشون ما وراء الحدود، ونحتاج إلى لجنة تقصي حقائق تتعلق بهذا الأمر شرط توفير الإرادة لها.