الدكتور ماجد الساعدي: صيف البصرة سيكون ساخنًا سياسيًا وشعبيًا
بغداد – الاعمار
حذر رئيس منتدى إعمار العراق ومجلس الأعمال العراقي في الأردن الدكتور ماجد الساعدي، من عودة تظاهرات البصرة في الصيف بوتيرة أشد سخونة من الصيف الماضي إذا لم تضع الحكومة الحلول اللازمة في الوقت الحالي، وفي حين أشار للمظلومية التي تعرضت لها المحافظة في الموازنة العامة، أكد على ضرورة دعم القطاع الخاص في العراق وخصخصة العديد من المنشآت الحكومية لرفع خطوط الانتاج والتخفيف عن موازنة البلاد التي يذهب معظمها لموظفي القطاع العام.
وفي لقاء تلفزيوني أكد الساعدي إن “البصرة تشهد تداول المخدرات بأسعار مدعومة وزهيدة وهذا يعني توجد أيادٍ خفية تقف وراء ترويج المخدرات، الأمر الذي أدى إلى كثرة الجرائم في ظل وجود بطالة كبيرة لدى الشباب والخريجين”.
أدناه أبرز ما جاء في حديث الدكتور ماجد الساعدي:
أزمة المياه الكارثية بالبصرة
أزمة المياه شهدت ذروتها بعد أن قلَّت حصة المياه من قبل تركيا مما أدى إلى انحسار منسوب المياه في نهر دجلة، وبالتالي الكميات القليلة الواصلة للبصرة لم تستطع أن تجرف رواسب نهر الكارون الإيراني في شط العرب، مما أسفر عن ركود الرواسب وتسميم الثروة الحيوانية. كميات المياه المصفاة التي تصل للمواطنين غير كافية لسد احتياجاتهم، والمياه مليئة بالتلوث والفضلات والروائح.
أزمة المياه كانت باكورة انطلاق التظاهرات الشديدة والعنيفة وحرق مقرات أحزاب وقتل أكثر من 15 متظاهرًا للأسف. استطعنا التوصل معهم وتهدئتهم قدر المستطاع لأن الأمور كادت أن تفلت زمامها ونكون عرضة لتدخل قوات أجنبية ومجاورة ممكن أن تسيء للبصرة وأهلها وسمعتها.
البصرة السلة الغذائية للعراق
رغم أن البصرة تنتج 80% من كميات النفط العراق أي أنها تعتبر السلة الغذائية للعراق وهي المصدر الرئيسي للحياة والبقرة الحلوب. 40% من الكهرباء تُنتج في البصرة، وأهم ثلاثة منافذ حدودية في العراق تقع في البصرة. الميناء الوحيد الذي يعد الشريان الحيوي الذي يغذي العراق باستيراده وتصديره، إلا أننا نجد البصريين عاطلين عن العمل، وتنتشر المخدرات بشكل هائل ومدعومة الأسعار وهذا ما يقلقنا لأنها تباع بأثمان زهيدة ومدعومة. الإجرام نسبته عالية، ونسبة السرطانات هائلة، وأنا شخصيًا عشتُ هذه الحالة مع أخي ووالدتي في مستشفيات البصرة اللذين فارقا الحياة نتيجة الإهمال والتقصير وعدم الاهتمام بالواقع الصحي في المدينة، لذلك نضطر جلب الأدوية من الخارج. الأطباء في حالة عصبية وتوتر بسبب تعرضهم لإعتداءات في حالة موت المريض، وتدخل الترتيبات العشائرية والقتل والانتقام. فوضى بكل ما تحمل الكلمة من معنى في مدينة تعتبر هي ثروة العراق ورئته الإقتصادية، فهذه المدينة كان يجب أن تكون مثل اسطنبول لتركيا ودبي للإمارات، هناك أكثر من 40 شركة نفطية لديها مساحات كبيرة ومسوَّرة وفي معيشة بمعزل عن البصريين، وحتى عمالتهم من العمالة الأجنبية لكي يحافظون على نوعية العمل وعدم تدخل التأثيرات السياسية في عملها.
موازنة البصرة ظالمة
الكارثة الأخرى وهي في الموازنة العامة، فالبصرة ظلمت بشكل هائل، فهي تنتج 80% من الموازنة بينما لا تحصل إلا على 8% من الموازنة التشغيلية، بينما تحصل محافظات أخرى أكثر من هذه النسبة بالرغم من قلة عدد نفوسها، بسبب الاهتمام السياسي بها وليس الاقتصادي.
إقليم البصرة
أسسنا تجمع يضم أغلب نخب البصرة ونتداول الأحاديث عن العديد من المشاكل التي تعاني منها البصرة، وكانت فكرة ـاسيس إقليم البصرة الحصة الأكبر من الحديث، نرى أن تكون هناك إستقلالية إدارية ولا تقود إلى الانفصال وهذا ما نتخوف منه ولن نقبل به، والبصرة أسست قبل بغداد، وهي مدينة عريقة وتمتلك من القدرات الذاتية ما تعادل كل دول الخليج بإنتاج نفطها وخيراتها الزراعية ومثقفيها وعلمائهاـ ولديها القدرة على النهوض مجددًا وبشكل سريع إذا توفرت العوامل اللازمة لذلك.
مجلس إعمار البصرة
مطالبنا باستمرار أن يكون للبصرة مجلس إعمار خاص بها، ويتم تخصيص له ميزانية خاصة، لكن بدون تفكيك هذه العملية السياسية المعقدة في المحافظة ومجلس المحافظة الذي يمثل أحزاب محددة فشلت على مدى 15 عامًا والتي تحمل ذات الأفكار والسياسات، وبالتالي لا نتوقع التغيير، فعندما نخطأ وتأتي النتائج فاشلة فلماذا نعيدها؟ يكون الجواب بأن هذه العملية الديمقراطية! فإذا جربتهم هذه العملية إفسحوا المجال إلى المستقلين لإدارة المدينة. حاولنا في شخصية المحافظ وهو نوعًا ما مستقل لكن إنجرَّ مضطرًا في صراعات الأحزاب وبدا يتقلب من مكان لآخر حفاظًا على مكانته وسمعته وتاريخه.
غياب العقاب جعل موانئ البصرة تحت سيطرة المصالح الخاصة
البصرة تحتوي على أكثر من 12 رصيفًا في موانئها، وهي موزعة على مصالح محددة، بسبب غياب أي رقابة للدولة والمحاسبة الشديدة، لذلك نجد أن أشخاص تتستر برداء شخصيات معينة وأحزاب تسرق من الموانئ وتسيطر على المنافذ الحدودية وتهرب المخدرات وكلها تحت أعين الدولة لكن الحساب ليس بالشديد والمناسب لإيقافها.
صيف البصرة القادم ساخن سياسيًا
التظاهرات في البصرة خلقت وعيًا شعبيًا وما يزال موجودًا، الأمطار الأخيرة نظفت شط العرب من الرواسب وتحسن وضع المياه بشكل كبير، لكن بعد خمسة أشهر سندخل في الصيف الساخن فهل الكهرباء كافية وستتحسن؟ هل المياه ستكون نظيفة؟ عشرة آلاف وظيفة أطلقها رئيس الوزراء السابق الدكتور حيدر العبادي أين ذهبت؟ المواطنين إلى متى يتم تخديرهم بالوعود؟
أتوقع صيف البصرة سيكون ساخنًا سياسيًا وشعبيًا إذا لم تلجأ الدولة الآن بأعمال حقيقية على أرض الواقع لتحسين وضع البصريين، وأجد هذا الأمر قريبًا حيث يظهر جليًا في ميزانية البصرة، هناك محافظات لا تنتج شيئًا ولا تدعم الموازنة بدينارٍ واحد ومع ذلك تأخذ أكثر من حصة محافظة تعطي 80% من ميزانية العراق. هنا ابن البصرة يشعر بالظلم والغبن، وهناك أشخاص غير منضبطين ممكن أن تصدر منهم تصرفات غير منضبطة.
مبادرة الوفاء للبصرة
أطلقنا مبادرة الوفاء للبصرة، بدأنا بتغيير خزانات المياه في المدارس، فما زالت خزاناتها من الحديد ومتآكلة نتيجة الصدأ وملوثة نتيجة تلوث مياه شط العرب، وجهزنا بحدود 1200 خزان ونصبنا محطة تحلية مياه خلال أسبوعين تنتج 400 طن يوميًا على شط العرب. مياه شط العرب تلوثت بسبب ركود المياه وليست بفعل فاعل، وكان ممكن تجاوزها لو كان هناك تخطيط جيد. لدينا بحدود 220 متطوعًا يعملون لنصب محطات تحلية المياه، وكنا نبني بالمحطة وحدثت تظاهرات وعنف وحرق، وبعد انتهاء التظاهرات ذهب المتطوعون لمجلس المحافظة والشوارع ونظفوها، وبعدها افتتحنا المحطة بحضور كبير لوجهاء وشيوخ العشائر وبعض المسؤولين في البصرة.
ووجهنا دعوات للمسؤولين إلا أنهم لم يحضروا لأنهم سيشعرون بخطئهم، وأحد كبار المسؤولين وجه بعدم السماح بأخذ مياه من شط العرب وتحليتها لأنها مسممة، وأنا قلقت من ذلك وبعثت شباب متخصصين لمختبر جامعة البصرة وبالفعل كانت مياه غير صالحة للشرب وملوثة وفيها سموم، ولذلك رفعنا نسبة المواد الكيمياوية داخل المحطة وأنتجت مياه صالحة للشرب بنسبة 100% وشربت أنا أمامهم في المحطة وبعدها منحونا التصريح بالاستمرار. المحطة تعمل إلى الآن. محطة التحلية وفعاليات مبادرة الوفاء للبصرة كانت بتبرع شخصي وهناك أخوة من أهل البصرة تبرعوا بجزء بسيط لتجهيز الخزانات.
الآن لدينا برنامج لنظافة البصرة وفتحنا أبواب تعاون مع جامعة البصرة لتكليف الطلاب لثلاثة أيام لحملة نظافة البصرة ونجهزهم بسيارات النقل ووجبات غذائية.
مؤتمر الدول المانحة في الكويت
قبل المؤتمر دعانا أمين عام مجلس الوزراء بطلب من منظمات الأمم المتحدة المسؤولة عن إعمار العراق، وكان رأيي واضحًا وهو يجب أن يكون للقطاع الخاص العراقي دور فاعل في إعادة إعمار العراق. طرحنا أفكارنا حول ضرورة الاستفادة من خبرات وأموال وعلاقات المغتربين العراقيين في الخارج للاستفادة منهم، وقال لي ستكون معنا ضمن الوفد الرسمي، ولكن تصلني دعوة من الحكومة العراقية، وكان العذر بأن وفد العراق يتألف من أكثر من 50 شخصية والعدد محدد وانتهى التسجيل في المؤتمر، تصرفوا بكيفية حضوركم!
إتصل بي الشيخ فيصل الصباح محافظ الفروانية، وقال لي يجب أن تأتي للكويت ورتب لي الاستقبال والدخول وجعل معي مرافقًا عسكريًا طوال فترة إقامتي في الكويت، مما أثار حفيظة البعض.
ذهبنا للمؤتمر بروحية عالية وكنت مقتنعًا بنتائجه بعدم اختلافها عن نتائج المؤتمرات السابقة بسبب عدم تغيير الشخوص الذين يحملون نفس المنهج ولذلك لم أتوقع الحصول على نتائج مختلفة، وللأسف هذا ما لم يفهمه المسؤولين العراقيين، فلم يتعلموا آليات ترغيب المستثمر.
العراق ليس بحاجة لمعمل إنتاج ملح الطعام
لا توجد أي نتائج بمؤتمر الكويت رغم حضور ألفي شركة، وسألني العبادي عن المؤتمر فقلت له لو كنت رئيسا للوزراء لخصصت كل ساعة مع قطاع معين، وعلى الأقل لأتيت بـ20 عقدًا ممكن أن تحسن وضع العراق بشكل سريع، والذي ليس لديه أموال فالصناديق الاستثمارية والسيادية كانت موجودة للإقراض، الدول المتواجدة أتكلم معهم مباشرة، وحتى العبادي امتعض من الموضوع وطلب عقد مؤتمر في بغداد، وحضرنا وكان مثل مؤتمر الكويت، حضرنا وكان الحديث عن إنشاء معمل ملح في السماوة بمليوني دولار! نحن في زمن نحتاج به إلى الإعمار وليس إلى الملح. كارثة حقيقية لا يوجد حديث عن المستشفيات ولا عن التعليم ولا عن الكهرباء ولا عن الإقتصاد المستدام.
قروض بفوائد وليست منح
حضرنا الجلسة المهمة الخاصة بالقطاع الخاص، كان اليوم الأول للدول المانحة، ولم تكن هناك منحًا بل قروضًا بفوائد، وهي تسهيلات. العراق وصل في مرحلة معينة إلى السقف الأعلى من الاقتراض وبالتالي البنوك غير قادرة على الإقراض لعدم وجود كفالات سيادية لكي يستوفي البنك قروضه، فعملت بعض الدول على إعطاء هذه القروض لشركات دولها للقيام بمشاريع في العراق وهذا الأمر كان جيدًا، لكن أسلوب طرح المشاريع واهتمام الحكومة بالمستثمرين لم يكن جيدًا. حضرنا من الصباح حتى المساء وكان المؤتمر عبارة عن نقاشات وكلمات وشرح وأعداد هائلة من المشاريع، والمستثمرين وأصحاب الصناديق الجيدة موجودون لكن لم يحصل أي تعاقد جيد للعراق.
ديون العراق
ديون العراق بلغت 125 مليار دولار، منها 65 مليار لدول خارجية وقسم منها يفترض أنها شطبت عندما كان المفاوض الدكتور عادل عبد المهدي عام 2003، إلا أن تلك الدول لم تشطب ديونها لحد الآن، نعم تلك الدول لم تطالب بديونها لكنها تبقيها كقيود، وبالتالي عليك أن تخصص لها من الميزانية.
كارثة التوظيف في القطاع العام
لدينا كارثة حقيقية وعلى الحكومة معالجتها نسبة الذين يتقاضون رواتب من الدولة أكثر من 7 مليون يستنزفون أكثر من 80% من الموازنة. فكيف نبني البلد، وإلى الآن مستمرين بالتعيينات، وهناك أسماء وهمية بصفة عقود، ويتفاخر أحد النواب عندما أصرينا على خصخصة بعض قطاعات الدولة في الموازنة العامة لكي تتفرغ الدولة من موظفيها وتنقلهم للقطاع الخاص بأنه تم شطبها في البرلمان. النواب لا يقبلون بالخصخصة لكي يعينون بالوساطات لحين وصول موازنة العراق بنسبة 100% كموازنة تشغيلية، وهذا لا يمكن.
البنى التحتية أساس الاستثمار
لكي تلجأ وتستقطب الاستثمارات الخارجية عليك أن تجهز بنى تحتية، وهذا ما نفتقده، فعندما يأتي المستمر وتعطيه مساحة في الصحراء كيف يقبل بها وهي غير مجهزة بالشوارع وخطوط النقل والكهرباء والماء والوقود والتأمين ولا بنوك تقرضه؟ وهذه كارثة بحد ذاتها فلا توجد بنوك تقرض المستثمرين في العراق، ولا يوجد مستثمر أن يأتي بكل أمواله ويستثمرها في بلد، فلم يحدث ذلك ولن يحدث. كيف تبني البنى التحتية و80% من الموازنة هي رواتب.
لا يمكن تفكيك المشاكل في العراق ومعالجة كل مشكلة على حدة لأن كل المشاكل مرتبطة بمصالح خاصة وأحزاب وجهات متنفذة، وحتى الموظفين موزعة بين الأحزاب والقليل منهم مستقلين لا يستطيعون فعل شيء.
https://www.youtube.com/watch?v=dkNpWL9ZqYk&feature=youtu.be