البطالة بوابة إرهاب الدولة الواسع!

ماجد الخفاجي
يُقاس مدى نجاح النظام السياسي لبلد ما بنسبة البطالة ، لأن التناسب بينهما عكسي ، أي كلما قلت هذه النسبة ، حكمنا على نظام ذلك البلد بالنجاح ، وبرغم تطوّر الأنظمة السياسية في أوربا مثلا ، نجد أن هذه النسبة لا تصل إلى الصفر ، وبرغم ضآلة هذه النسبة ، فإن الدولة ملزمة بتخصيص ما يسد رمق العاطلين عن العمل ، بالرغم من عدم نفاد فرص العمل على الإطلاق ، لإنهم كُسالى أو انتقائيون جدا في العمل ، وقد ركنوا إلى الراحة ، مستفيدين من إمتياز الأنتماء بوصفهم يتمتعون بحملهم جنسية هذا البلد ، كيف لا وشعار مواطن هذه الدول (الحقوق أولا ثم الواجبات)، لكنّا أفنينا أعمارنا بشعار معكوس ، لقد أدّينا أكبر الواجبات وهي أرواحنا، من دون أن نحصل على أية حقوق ، فصار تلميذنا يذهب إلى المدرسة بحذاء ممزق ، وملابس بالية لا تكاد تستره ومعدة خاوية ، ليُجبر على أداء نشيد (موطني ، موطني) في الأصطفاف ، وهي حبكة مؤلمة لكن واقعية وجدتها في (الفيس بوك !( .
ربما تزداد نسبة البطالة قليلا في بعض البلدان بسبب ضعف الموارد ، أو المشاكل الإقتصادية التي صارت عالمية ، ففي نظرنا أن ثمرة العولمة (Globalization) الوحيدة هي عولمة المشاكل فقط ، من أزمات مالية وإقتصادية وبطالة وتلوّث ورعونة سياسية وإنحلال وغسل للأدمغة ، سبب آخر للبطالة هو إنفاق الدولة الكبير على مشاريع تربوية وخدمية وإسكانية ودعم إنساني وتأمين صحي وتطوير أمني وعسكري ومحاربة الفقر ، تعدها تلك الدولة من صَلب الواجبات ومن المسلّمات ، وهي تصب بالتالي لمصلحة مواطنيها ، لذلك نراها تعوّض عن ضعف الموارد بالإستثمار وتنمية الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من المشاريع ، على الأقل لأجل الحفاظ على نسبة البطالة منخفضة ، إلا في العراق ، فقد غابت عنها تلك الواجبات تماما !.
الحكومة العراقية ، الوحيدة على وجه الأرض ، نراها تعمل بالمعكوس ، وتخالف أي منطق أو قانون أو علم أو عَرف في سياساتها ، لذلك نراها تحتل الأرقام القياسية العالمية في كل ما هو سيئ ومخز ، نعرفها جميعا ولا داعي لسردها ، دولة إنقرض فيها الفخر والإعتداد والعزة بالنفس ، منها إنها تحتل مراتب عليا في إرتفاع مستوى الفقر ونسبة البطالة ، تلك الآفة الخطيرة ، والوحش المرعب الذي يهدد كيان البلدان ، إنه يهدد الإستقرار والأمن ، انه صنو حقيقي للإرهاب ، بل إن الأرهاب هو وليد البطالة .
أنظر بعين العطف ، إلى شبابنا الخريجين وهذا موسم تخرّجهم في الجامعات ، يؤلمني تفاؤلهم العفوي وفرحهم بعد سنوات من الجهد والدراسة ، ممتلؤون بالعنفوان والتفاؤل والعزم ، ليجدوا أن الخيبات بإنتظارهم ، وهم يواجهون مصير مستقبلهم المهني المظلم ، في ظل دولة يتراكم فيها الخريجون وحملة الشهادات ، والمحظوظون القليلون منهم قد يجدون عملا (ليس حكوميا طبعا)، بعيداً جدا وأدنى بكثير عن إختصاصهم ، الأقل حظا من يجد وظيفة (أجير يومي) في دوائر الدولة ، بأجر بخس للغاية لا يكفي لكلفة النقل ! ، موعودين بأمل كاذب وهو التوظيف على الملاك ، وتضيع السنون من شبابه ، وهو يجد نفسه مراوحا في مكانه ! ، يرى بأم عينيه موظفين كُثر بشهادات مزورة ، أو بمؤهلات كاذبة ، أو من رفعتهم الرياح السود من المحسوبيات أو الإنتماءات على حساب الكفاءة طبعا ، فيأكله الحيف وضياع العدالة ، فكيف ترجو الدولة إنتاجا ؟! ، أما الباقون ، فسينزوون في منازل ذويهم ، محبطين مُدَمّرين مكسورين ، لاعنين يوم دخولهم الكلية ، ذويهم الذين طالما راودتهم الأحلام الكبيرة ، وهم يبذلون الجهد والمال والترقب والقلق في دولة تخلو من الأمن والأمان ، هذه العوائل ترى إبنها قد تحول من مُعيل ومُعين لها على هذه الحياة القاسية ، إلى عبء نفسي ومعيشي ، لهذا ظهرت الكثير من الدعوات على مواقع التواصل الإجتماعي ، بنبذ التعلّم ، لأنه تعب لا يُفضي إلى نتيجة !.
كل دول العالم تُحارب الفقر والبطالة بكل ما أوتيت من قوة ، لأنها تعلم أن الجوع كافر وضيق ذات اليد مجرم بحق الإنسان ، الفقر رأس كل آفة وجريمة ومرض ، الفقر هو من يغذي الإرهاب ، أو على الأقل الإنتقام من دولة أبخسته حقوقه ، وإني أتساءل ، أعينوني يرحمكم الله على الجواب ! ، متى يُزال الصدأ عن التنمية ؟ ، هل بسبب الأزمة المالية والتقشف ؟ ، وهل يوجد إستثمار ومردود مادي أكبر من تشغيل مئات الآلاف من العاطلين عند تشغيل مئات الآلاف من المعامل المتوقفة ؟ متى تتحرك عجلة الإنتاج والزراعة ، متى يُدعم القطاع الخاص ؟ ماذا تنتظر الدولة من العاطل؟ ، من أين يأكل ؟ متى يتزوج ؟ متى يمتلك منزلا وسيارة ، اليست تلك أبسط الحقوق ؟ ، فيعيش العاطل صراعا قاسيا ، وشعور قاتل بالحيف ، لا يلبث أن يتحول إلى رغبة عارمة للإنتقام ، وهو يرى بلدا منهمكا بالجباية ، ولا يدعمه ، وهو يرى السّراق والإمّعات ، وذيول الأحزاب ، وكل ذي عقل خاو ، يمتلك القصور الفارهة والسيارات والمناصب .
وبسبب توقف التنمية والبناء توقف عمل الشركات الخاصة ، وهي صمام الأمان للعاطلين ، والشركات الباقية ، تبخس حق موظفيها بعيدا عن الرقابة أو النقابات ، ففي أحد المرات تقدّمتُ لأحدى هذه الشركات المعنية بإستيراد وتصليح وصيانة المولّدات الكهربائية والكائنة في ساحة (الواثق) ، لان راتبي التقاعدي لا يكفيني ، وعرضت خدماتي كمهندس كهرباء إستشاري ، وبسيرة ذاتية طولها متر ! ، عرض عليّ مدير الشركة ، قائمة طويلة من الواجبات المناطة بي ، وهي الصيانة الدورية لعدة مولّدات منصوبة ، وتصليح موقعي وميداني ، وتسوّق للأدوات الاحتياطية ، وإلتزام صارم بالدوام ، قسَما عظما أنه عرض عليّ راتب شهري قدره 300 ألف دينار ! ، وكان إبني (المهندس أيضا) معي ، فعرض عليه مهنة الترويج لمنتجات الشركة مقابل 50 ألف دينار شهريا ، تُقتطع من راتبي ! ، عندها غادرت الشركة قائلا للمدير : وكم راتب (الچايچي) لديك ؟! ، قال 400 ألف ! ، وإن كنتَ لا تقبل بالعمل فثمة الكثيرون غيرك ، وهو مُحق في قوله ! ، فالعار ، كل العار عليك يا دولة ، أنت من تصنعين الإرهاب ، فبعد الفراغ من داعش الارهابي، ثمة قنابل موقوتة لا تُعد ، تلك التي يمثلها العاطلون ، سيظهر إرهاب من نوع جديد من عصابات الخطف والإبتزاز وشتى أنواع الإخلال بالأمن ، وقد بدت ظواهره فعلا ، أنتِ تمثلين الجميع إلا الشعب ، أثبتِ مرارا أنكِ لا تحترمين نفسك فكيف تحترمين أبناءك وكفاءاتك وخريجيك ؟