قواتنا ترسم خريطة الإنسانية

سلام مكي
مشاهد وصور التقطتها شاشات التلفزيون، والهواتف المحمولة للجنود، توثق لحظات عظيمة، للجيش العراقي، شكلت علامة فارقة في تاريخه الحديث. لحظات اثناء معارك اقتحام المنطقة القديمة في الموصل، حيث ازيز الرصاص، وتربص القناصة والمفخخات والهاونات، والموت القريب جدا من الجنود. كل هذا، وهم يستبسلون دفاعا عن الأبرياء، عن اهل الموصل، الذين وقعوا ضحية الارهاب والسياسة. مشهد، لا يمكن لأي خيال ان يخلقه: جندي عراقي يشاهد امرأة مسنة تسقط على الأرض بعد ان عجزت عن اللحاق بأفراد اسرتها الذين تمكنوا من الوصول الى بر الأمان، بعد ان هربوا من داعش الى جانب القوات الأمنية، لكن تلك السيدة، منعتها رصاصة القناص من الاستمرار في السير. ذلك الجندي خاطر بحياته لأجل امرأة لا يعرفها، لكنه يعرف جيدا انه لم يأت الى هنا، الا لأجل ان ينقذها وينقذ كل انسان في هذه الأرض، وقع تحت جحيم داعش.
مشهد آخر: مدرعة آلية تحمي جنودا من رصاص القناصين، تتوغل داخل منطقة تعج بالدواعش، حاولت ان تكون مانعا وسدا للجنود الذين اكتشفوا عائلة من الموصل، لا تزال محاصرة، والخطر قريب منها جدا. وصور كثيرة، لم تصلها عيون الكاميرا، ولم توثقها، رغبة من اصحابها، الذين جاؤوا لأجل الانسان، وليس لأجل الظهور الاعلامي.
انه الجيش العراقي الذي يقاتل اخطر واشرس تنظيم ارهابي قتل ما لا يحصى من البشر، وشرد وهجّر مئات الآلاف ولا يزال التهجير والقتل مستمرا. جيشنا يحرر يوميا قرى ومدنا، كانت تعيش جحيما وموتا يوميا في ظل داعش، يخسر ارواحا ومعدات، ويخاطر بكل شيء لأجل ان ينقذ طفلا، او امرأة من براثن الارهاب. يضحي بجنوده، لأجل ان يعيش المدنيون. المؤامرات، تحيط به من كل جانب، وربما خطر بعض السياسيين، والاعلام اخطر بكثير من داعش، ذلك ان جيشنا تمكن من معرفة عدوه، واستطاع بخبرته ان يقلل من فاعلية اسلحته، لكن كيف بالمؤامرات والأخطار؟ كيف بإعلام يتحين الفرص كي يشهّر به؟ كيف به وبعض السياسيين يصرحون في الاعلام ان الجيش ينتهك حقوق الانسان؟ نعم انه ينتهك الارهاب، ويقاتل الذي يقتل الابرياء الذين هم خط احمر لديه.
الجيش العراقي حين يحرر مدينة فانه يسلمها الى اهلها، رغم ان بعضهم لا يزال يكن له العداء والحقد. كما لا يزال عدوا عند البعض، من سياسيين واعلاميين، يرون فيه مشروع رهبة وخوف لهم، في ظل احتفاظهم بقيود الماضي ورهبة الحاضر، في حين ان ثمة دولا ووسائل اعلام مهنية تنظر بعين الاحترام والاكبار للشجاعة الفائقة التي تبديها قواتنا المسلحة في مواجهة الارهاب، وهي مواجهة تعتبر فاصلة في تاريخ هذه المؤسسة العريقة، من ناحية ان الجيش يخوض حربا داخل الأحياء الضيقة، والعدو يتخفى بين المدنيين، ويتخذهم دروعا بشرية، وبين عدو ظاهر، صريح، سلاحه شاشات الفضائيات والصحف، يحاول ان يفبرك مقاطع فيديو او صورا ضد الجيش، ليصور للعالم انه ينتهك حقوق الانسان، من اجل الترويج المبطن للارهابيين والقتلة الذين عاثوا بالارض العراقية فسادا واجراما، فحين يتعرض بلد الى هجمة ارهابية شرسة، كما يتعرض له العراق، فانه لا بد من وجود حزم وشدة تجاه الارهاب، لا بد من تغيير القوانين والطرائق الهجومية والدفاعية، لمواجهة تلك الهجمة. ورغم ذلك فان الجيش العراقي يتخذ اقصى درجات الحيطة والحذر، ويحاول جهد امكانه حماية المدنيين وتخليصهم من انياب الارهاب الذي يريد ان ينهش لحمهم ولحم البلد بأجمعه.
بشارة التحرير على الأبواب، ولم يتبق الا نسبة ضئيلة جدا وتتحرر نينوى بأجمعها من الارهاب، بجهود الجيش والحشد وسائر القوى الأمنية. وعندها ينبغي تقييم تجربة الجيش والحشد في عملية التحرير، ورصد كل الجهات التي حاولت النيل من انتصاراتهما، واستغلال دمائهما لصالحها. لا بد ان يكافأ الجندي العراقي الذي سطر ملاحم البطولة والفداء في معارك تحرير الموصل، تلك المعارك التي اعادت رسم خريطة الانسانية بأنامل الجندي العراقي.