قطر في وجه العاصفة ومعها الخليج

حازم مبيضين*
دخلت الأزمة الخليجية الراهنة مرحلة التدويل، بإعلان تركيا استعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى قطر، في الوقت الذي تستعد فيه الدوحة لموجة جديدة من الضغوط وتوقع الأسوأ، بعد الفشل غير المُعلن للوساطة الكويتية، وغموض المطالب السعودية الإماراتية، التي تتجاوز سقف شد أذن “الجزيرة”، وإبعاد بعض المشاكسين من الدوحة، إلى ضرورة وضع سياسات المشيخة المُتمرّدة، والطامحة لدور يتجاوز حجمها تحت الوصاية المباشرة لمجلس التعاون، فيما تسعى الرياض وأبو ظبي لعرقلة أو تأخير تدخل واشنطن المباشر لمعالجة الأزمة. وهنا يبدو واضحاً أن قطر تنتظر بفارغ الصبر ووسط استنفار أمني، تنفيذ أنقرة لبنود الاتفاقية الدفاعية معها، وتُعدّ العدّة لاستقبال خمسة آلاف عسكري تركي، للمرابطة على حدودها مع السعودية، المُستعدة حتّى للتصعيد مع تركيا حال تنفيذ قرارها.
تُراهن قطر على تبدل موقف واشنطن المراوغ، بحصول تطورات في مساعي عزل الرئيس الأميركي، قد تُلزم السعودية والإمارات بوقف التصعيد، وفي الأثناء تتابع خسائرها الاقتصادية المتصاعدة جرّاء الحصار المفروض عليها، وتتخوف من نجاحه في منع أو تجميد إقامة المونديال الذي تنتظر منه عائدات ضخمة، وتتخوّف من منع الدولتين الخليجيتين لأي مستثمر أجنبي يعمل فيهما من العمل في قطر، ما يعني مغادرة المستثمرين ومعهم كثير من الوافدين خشية انفلات الأمور وتدهورها إلى حدّ المواجهة المسلحة، لكن ذلك لم يمنع قطر من مواجهة التصعيد المتنامي، بالانتقال من الدفاع إلى التحدي بإعلانها أنها ليست مستعدة للاستسلام، وأنها قادرة على الصمود ولن تساوم على استقلالها، وأنها ترى في تعاونها العسكري مع تركيا مصلحة لأمن المنطقة بأسرها، متفائلة بالموقف الإيراني المستعد لكسر الحصار على الأقل بتأمين المواد الغذائية لمشيخة آل ثاني، وتدويل الأزمة مع بروز مواقف أوروبية على وجه الخصوص، تُغرد خارج السرب السعودي الذي يرى في طلب الحماية السياسية من دولتين غير عربيتين، إيران وتركيا، والحماية العسكرية التركية تصعيداً كبيراً بحسب تعبير وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية.
تُعوّل قطر بالتأكيد على دعم تنظيم الإخوان المسلمين العابر للحدود الوطنية، نظراً لفقدانها العنصر الديموغرافي، كون ان عدد حاملي جنسيتها يقارب الـ 200 ألف نسمة، وعلى أمل أن يعزز هذا الخزان البشري مكانتها بقوة بشرية متمددة، وقوة سياسية لها حضورها في معظم الدول العربية. وهذا ما يُفسر تبني الدوحة لهذا التنظيم رغم اختلافها المذهبي معه، والخلافات الأساسية بين الوهابية التي تعتنقها وأتباع حسن البنا الذين كان لهم حضورهم في مشيخة آل ثاني منذ قيامها، واعتمادها على الوافدين الذين شكلوا الركيزة الأساسية في بناء مؤسسات “الدولة القطرية”، وكان للإخوان المسلمين دور مهم في مجتمع في طور النمو، ويفتقر إلى الجهاز البيروقراطي، الذي يشكل البناء التحتي للدولة بمفهومها التقليدي، حيث تمت الاستعانة بعدد لا بأس به من كوادر الإخوان، الوافدين من مصر، للاستفادة من خبراتهم، ولا سيما على مستوى التعليم، ومن هؤلاء “القرضاوي” الذي يحظى حتى اليوم بمكانة أكثر من متميزة، ويتعامل مع الدوحة باعتبارها منبراً للدعوة الإخوانية، ويقيم منها علاقات مع التنظيم الدولي للإخوان، بالتنسيق المباشر مع تركيا أردوغان.
تاريخياً تحولت قطر إلى قبلة للإخوان الهاربين من الصدامات مع حكام بلادهم، فكانت موجة من سوريا، بعد أحداث حماة في عام 1982، وأخرى من السعودية، في أعقاب التوتر بين الإخوان ونظام آل سعود في التسعينيات، وبعدها من فلسطين، بعد طرد قادة حركة حماس من الأردن، ومُجدّدا من مصر بعد الاطاحة بحكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، وخلال هذه الهجرات رسخ الاخوان نفوذهم وعلاقتهم بآل ثاني، مندمجين في المجتمع والحياة العامة بكل مستوياتها الدينية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية والسياسية، مُرسخين لعلاقة منفعة تبادلية مع حكام قطر، بابتعادهم عن قضايا المشيخة الداخليّة المُعقدة، خصوصاً داخل الأسرة الحاكمة، وتخليهم عن أي طموحات سياسيّة داخليّة في الحاضر والمستقبل، وقد كانت الصفقة مربحة للطرفين، فالإخوان عثروا على حاضنة إقليميّة وفّرت لهم الغطاء السياسي والدعم المادي، في حين وجد حكام قطر الفرصة مناسبة لتأمين الظهير السياسي والعنصر البشري، الذي يمنحهم إمكانية توسيع نفوذهم الإقليمي، وتقديم أنفسهم رعاة للتنظيم الدولي، غير أن رهانهم سقط مع سقوط مرسي في مصر التي يناصبونها اليوم أشد العداء، وإسقاط روسيا لرهانهم في سوريا، وهي لكل ذلك ترفض التخلي عنهم كي لا تفقد عنصراً جوهرياً في سياستها الخارجية، سينهي بالتأكيد وإلى الأبد طموحاتها باكتساب النفوذ الإقليمي.
وبعد، فإن كرة الثلج تتدحرج في الخليج دون أن تتأثر بحرارته المُلتهبة، ويبدو واضحاً أن قطر لن ترضخ للرياض وأبو ظبي، ولن تتراجع بسهولة عن سياساتها الخارجيّة المتمردة على مجلس التعاون ولن تتهاون في “استقلالها وسيادتها”، كما أن خصومها يواصلون التصعيد ولكن إلى أين؟، ذلك ما تخبئه قادمات الأيام.

*كاتب أردني