نظام إقليمي جديد

أمين قمورية*
بينما تحاول الكويت احتواء الأزمة المستعصية بين قطر والتحالف السعودي، دخل الرئيس ترامب على الخط محملا الدوحة وحدها دون شركائها السابقين مسؤولية دعم التشدد والمتشددين ليصب زيتا على نار الخلاف وليذهب التحالف بعيدا في التصعيد متخذا خطوات تشبه اعلان الحرب.
الخلافات العميقة بين قطر والسعودية ومن معها كانت قائمة بشدّة منذ عام 2014 حين خرجت إلى العلن منذرة بسحب السفراء وقطع العلاقات. وهي ملموسة في حروب الطرفين في ليبيا بين مجموعات متناحرة في شرق ليبيا وغربها، وبيّنة في اليمن ولا سيما في الجنوب حيث تحظى الإمارات بحصة الأسد للسيطرة على مشروع الميناء في باب المندب وامتلاك جزيرة سوقطرة، على حساب حصة قطر في اعتمادها على حزب التجمع ومجموعات من القاعدة و”داعش” وبعض الحراك الجنوبي. وهي أيضاً معروفة للمتخصصين والإعلاميين في الولايات المتحدة، المهتمين بصراع اللوبيات الأميركية وما تنحو إليه قطر والإمارات في التأثير على القرار الأميركي عبر شركات المحامين والعلاقات العامة وشراء بعض المساحات في الصحف الأميركية الكبرى، وكذلك بعض السياسيين المتقاعدين… كل ذلك أملاً بشراكات ستراتيجية صغرى مع واشنطن تستند إلى تشابك المصالح كما يصفها ممولو خبراء قطر والإمارات.
لكن هذه الحرب الخفية لم تنفجر بين الطرفين لأن السعودية كانت تضبطها على إيقاع أولويتها في محاربة إيران، حين تسخّر قطر جهودها وعلاقتها تحت سقف هذه الأولوية. ولعل المتغيّر الذي يدفع السعودية إلى التصعيد على شفير الحرب، يتعدى كثيراً مسألة الرغبة في تأديب دولة تخرج على الإجماع الخليجي في مواجهة الإرهاب أو التصدّي لـ”التدخّلات الإيرانية” في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
تتعلّق المسألة مباشرة بنشوء نظام عربي – إقليمي جديد تقوده الرياض وتنضوي تحت لوائه القاهرة ويحظى بضوء أخضر أميركي. هذا النظام الجديد كان الهدف الذي انعقدت من أجله قمم الرياض الثلاث الشهر الماضي في حضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومشكلة دولة قطر في نظر خصومها، والسعودية بالذات، اعتقادها بأنها تستطيع اتباع سياسة مستقلة عن سياسات “الشقيقة” الكبرى، وتنفتح على ايران، وتدعم حركة “الاخوان المسلمين” واذرعها في مصر وليبيا واليمن وقطاع غزة وتركيا، وتوظف ثرواتها المالية الهائلة في هذا المضمار (دخلها السنوي من الغاز والنفط وصل الى 86 مليار دولار سنويا) في دعم هذه الحركة ومنابرها، وتبين ان هذا الاعتقاد لم يكن في محله، وقد تفاجأ القيادة القطرية بأن قاعدة “العيديد” لم تعد بوليصة تأمين أميركية لحمايتها من أي تدخل عسكري. الرياض في المقابل عازمة على لعب الدور القيادي في الخليج. وكان إعلان التحالف العربي لقيادة الحرب في اليمن، ومن ثم إعلان التحالف الإسلامي العريض ضدّ الإرهاب، وأخيراً محاولة تكريس “ناتو” إسلامي هدفه المعلن مواجهة التنظيمات التكفيرية بينما هدفه الحقيقي مواجهة ايران وتأمين المصالح الحيوية في المنطقة إيران. وحظي التحرّك السعودي بمباركة ترامب بعد التحفّظ الذي كان يبديه سلفه باراك أوباما حيال فكرة إشراك واشنطن في مواجهة مع إيران. وكانت قمم الرياض بمثابة المباركة الأميركية للتحالف الجديد الذي تقوده السعودية. وحصل ترامب على الثمن من خلال عقود تسليح واستثمارات تجاوزت الـ 400 مليار دولار.
ومع احتدام الصراع الإقليمي من سوريا إلى العراق إلى اليمن، لم يعد مسموحاً من وجهة نظر الرياض، التسامح مع أيّ تناقض في التوجّه الجديد. وبما أن ترامب اعلن صراحة عبر تغريدته الصارخة وقوفه إلى جانب الرياض ضدّ الدوحة فان كل السيناريوات باتت في الحسبان، واحتمال غزو قطر ليس مستبعدا في ظل التواطؤ الأميركي، والصمت التركي، والتجاهل الدولي. ولقد جربت المملكة سابقا اعادة الشيخ خليفة بن حمد جد الأمير الحالي الى عرشه بعد اطاحته من الحكم على يد ابنه الشيخ حمد في انقلاب ابيض، ودخلت القوات السعودية الأراضي القطرية عام 1996. لكن هذا التدخل افشل بـ“الفيتو” الأميركي وقاعدة “العيديد”، فهل سقط “الفيتو” ورفع الضوء الاخضر الاميركي الذي قد تكون زيارتا “المحمدين” لواشنطن، أي الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد ابو ظبي، والأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية قد امناه مسبقا؟. لا شك في ان حكومة الدوحة تعيش اسوأ أيامها منذ عام ١٩٩٥.

*كاتب وصحفي لبناني