في ذكرى احتلال داعش وجريمة سبايكر
عبد الحليم الرهيمي
ستحل بعد أيام ، اي في العاشر من حزيران، الذكرى الثالثة لغزو تنظيم داعش الارهابي واحتلاله لأكثر من ثلث الأرض العراقية وأسر مواطنيها والتنكيل بهم وسبي نسائهم ، وخاصة المواطنات الايزيديات ، ثم القيام بعد ذلك بأيام بارتكاب جريمة سبايكر المروعة ،التي راح ضحيتها نحو 1700 من الجنود العراقيين الأغرار غير المسلحين ، بعد ان تركهم ، او سلمهم ، بعض القادة المتواطئين ،الى داعش وانصاره من السكان المحليين .
وفي مقابل ذلك سيعلن في الأيام القليلة المقبلة– حسب تصريحات بعض القادة العسكريين – عن تحقيق النصر على ارهابيي (داعش) وتحرير مدينة الموصل نهائياً من دنسهم تمهيداً لتحرير الأقضية والنواحي المتبقية من محافظة نينوى، ليعلن بعدها تحقيق النصر الكبير في الحرب العسكرية، على هذا العدو الارهابي تمهيداً واستعداداً لمواجهته استخبارياً وفكرياً واجتماعياً وبمختلف الوسائل، كي لا يظهر مجدداً باسماء وعناوين أخرى ، كما يشير الى ذلك ويتوقع بعض المحللين .
وفي حين سيجدد العراقيون الاحتفال بذكرى التحرير والانتصار على (داعش) ، كتعبير عن قوة الارادة الوطنية وشجاعة القوات المسلحة، بمختلف صنوفها ورديفها من متطوعي الحشد والعشائر والبيشمركة ،ستبقى في مقابل ذلك ، الذكرى الأليمة لغصة الغزو والاحتلال وما نجم عن ذلك من آثار ودمار وقتل وتشريد للمواطنين ودمار هائل للبنى التحتية للمناطق التي احتلت.
لذلك ومهما كان حجم الفرح والاعتزاز والغبطة بالنصر المظفر على ارهابيي (داعش) وهزيمتهم ، فان ذكرى الغزو والاحتلال وهزيمة بعض قواتنا ،جراء تخاذل أو تواطؤ بعض القادة العسكريين والسياسيين امامهم ستبقى ذكرى موجعة ومؤلمة انطوت على دروس ودلالات طرحت خلال السنوات الثلاث المنصرمة وستبقى تطرح دائماً تلك العبر والدروس والدلالات منها من أجل : مواجهة أسوأ الاحتمالات في وضع داخلي واقليمي ودولي مرتبك ومضطرب يتطلب الحيطة والحذر ومواجهة تلك الاحتمالات . والأسئلة التي طرحت وستظل تطرح لوقت طويل هي : لماذا احتل (داعش) أرضنا وقام بفعلته الاجرامية دون مقاومة وردة فعل قوية من الجيش وقواته المسلحة والمجهزة والمدربة بأفضل تدريب وتسليح ؟ وما هو دور ومسؤولية القيادات السياسية والعسكرية الوسطى والعليا في ذلك ؟ وما هي الظروف والاوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك المناطق ، والتي مهدت وسهلت لداعش غزوته واحتلاله ؟ ثم ما هي الآثار والنتائج السلبية التي ترتبت وستترتب جراء ذلك خاصة على المواطنين الذين وقعوا تحت الاحتلال ، بل على المواطنين العراقيين الذين انعكس عليهم وأثر بأوضاعهم ذلك الاحتلال ؟.
لقد كان رد الفعل الطبيعي الاول على الاحتلال والاسئلة التي طرحها أن ترتفع الاصوات المطالبة بتحديد دور ومسؤولية المسببين بذلك لمحاسبة المقصرين والمتخاذلين والمتواطئين في تسهيل وقوع الاحتلال وعدم مقاومته ورده . لكن ، ورغم كل الانتقادات القاسية التي وجهت وتوجه الى البرلمان العراقي فانه ، على هذا الصعيد ، استجاب لأصوات وانتقادات ملايين العراقيين ومطالبتهم بمعرفة حقيقة ما جرى وكذلك معرفة المسؤولين عن ذلك ، بتشكيل لجنة برلمانية مؤلفة من نحو عشرين عضواً برلمانياً ومن كل الكتل والتيارات كي تضمن حياديتها وشفافيتها في التحقيق بجريمة الاحتلال وتحديد المسؤولين عنه . غير ان لجنة التحقيق البرلمانية هذه التي استغرق عملها عدة شهور وقدمت تقريرها النهائي الى البرلمان، الذي لم يبت به او يحيله الى القضاء انما ادرج في رفوف الملفات المنسية مثله مثل التحقيق المتلكئ في ملف جريمة سبايكر . غير ان وضع الملفين في ادراج الملفات المنسية ،لن يبرئ من توجه اليهم الاتهامات عن المسؤولية، بالرغم من التقادم ومرور الوقت .
لقد اعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وبشجاعة عن تحمل مسؤوليته عن هزيمة 5 حزيران العام 1967 التي حققها العدوان الاسرائيلي ضد مصر وسوريا والاردن ، بينما انتحر نائبه المشير عبد الحكيم عامر بعد توجيه الاتهام له ولآخرين بالهزيمة .. فلماذا يجري التستر عندنا على المسؤولين عن غزو واحتلال (داعش) لارضنا ؟.
اما في اسرائيل التي لحقت بها هزيمة جزئية ،على يد الجيش المصري والسوري في حرب تشرين العام 1973 فقد هزت هذه الهزيمة ،أركان القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية وأدى ذلك الى تشكيل لجنة للتحقيق بتلك الهزيمة سميت بـ (المحدال) اي التقصير باللغة العبرية لتحديد المسؤولين عن تلك الهزيمة الجزئية ومساءلتهم .
هكذا تعاملت كل من مصر واسرائيل ، كمثالين ، مع هزائم عسكرية لحقت بهما ، فلماذا يتعثر التعامل عندنا مع قضية غزو واحتلال (داعش) لارضنا؟ ، اليس من مصلحة الجميع ، الا بعض الافراد ، مواصلة التحقيق وتفعيل تقرير اللجنة البرلمانية ، كي يطلع الشعب على الحقيقة ، وكي ينصف القضاء ويفصل بمن هو مسؤول عن ذلك ومن هو البريء ؟ وهذا ما يتطلب اعادة فتح ملفي الاحتلال وسبايكر !!